مصمم لـ«الدفاع الذاتي».. كيف يحمي النظام الديمقراطية بأمريكا؟
يخشى العديد من الأمريكيين من عواقب الانتخابات، وخاصة رفض أحد المرشحين قبول النتائج، ليتكرر سيناريو التمرد العنيف في 2021.
وتزداد المخاوف في ظل السباق المتقارب الذي قد يحسمه عدد ضئيل من الأصوات في الولايات المتأرجحة؛ الأمر الذي يزيد احتمالات التشكيك في نزاهة الانتخابات.
ومنذ 2020، أصبح الدور الحاسم للولايات في الانتخابات الرئاسية نقطة تدقيق مكثف في ظل وجود 50 ولاية مختلفة لكل منها قواعد انتخابية خاصة ومسؤولون خاصون للانتخابات، وهو ما يفرضه النظام الانتخابي الفريد الذي تتبعه الولايات المتحدة.
وزعم البعض أن هذا التنوع واللا مركزية قد يشكلان، خطرا على الديمقراطية الأمريكية في حالة التنازع على النتائج مرة أخرى وسط مخاوف من أن تحاول ولاية ما خاضعة لسيطرة حزبية إحباط نتيجة الانتخابات.
لكن هذه النظرة لنظام الانتخابات الأمريكي تتجاهل الطرق الحيوية التي يمكن بها للولايات أيضاً حماية الديمقراطية الأمريكية بما في ذلك في انتخابات رئاسية متنازع عليها، وذلك وفقا لما ذكرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية.
ويمنح الدستور الأمريكي الولايات حرية واسعة في مجالات القانون والإدارة غير الممنوحة صراحة للحكومة الفيدرالية، كما تسيطر على الجزء الأعظم من موارد إنفاذ القانون في البلاد، وتنظم وتشرف على جميع الانتخابات، وتحتفظ بالقدرة التحقيقية والملاحقة القضائية لتوضيح المخاوف المتعلقة بالانتخابات.
وتشكل هذه الامتيازات سمة أساسية للنظام الأمريكي وبسبب ضرورة التعايش مع حكومة فيدرالية ذات سلطات هائلة فقد كان الصراع على سلطة الولايات موضوعاً رئيسياً في تاريخ الولايات المتحدة لفترة طويلة.
وبسبب سلطات الولايات تحديدا، أصبح من الصعب للغاية على أي مرشح أو حزب سرقة الانتخابات الرئاسية.
وحتى إذا كانت النتيجة تتوقف على ولاية واحدة، فإن الساعين لقلب النتيجة سيحتاجون إلى حشد الدعم من مجموعة متنوعة من حكومات الولايات والحكومات المحلية.
وقد تتخذ الولايات، في ظروف متطرفة، خطوات أخرى لعرقلة الجهود الحزبية للتدخل في العملية الانتخابية، مثل رفع دعاوى قضائية، أو تعليق التعاون مع الحكومة الفيدرالية، أو حشد الدوائر الانتخابية المحلية لمعارضة جهود إحباط الديمقراطية.
مواجهة الاستبداد
وتعود سلطة الولايات فيما يتعلق بالانتخابات إلى أصول الفيدرالية الأمريكية في القرن الـ18 حين كان دور الحكومة الفيدرالية الأساسي يقتصر على الأمن القومي، وإدارة التجارة مع الكيانات الأجنبية، وضمان حرية حركة السلع والأشخاص بين الولايات.
واحتفظت الولايات، باعتبارها الوحدات السياسية الأصلية التي بنيت عليها الجمهورية، بالسيطرة على الانتخابات، وهو التوازن الذي لا يزال صحيحا بعد أكثر من قرنين.
بالنسبة للمؤسسين، كان السماح للولايات بالحفاظ على غالبية السلطات يوفر "أمنا مزدوجا" ضد الطغيان، لأن مقاومة الولايات ستضعف الطاغية المحتمل.
ومع تباطؤ عملية صنع السياسات الفيدرالية بسبب الجمود في الكونغرس واستمرار المحكمة العليا في كبح جماح السلطة التنفيذية، أصبحت الولايات جهات فاعلة سياسية أكثر أهمية، وكل هذا يساعد في تفسير سبب استمرار النظام الفيدرالي ودوره في حماية الديمقراطية.
ومنذ 2020، بدأت سيطرة الولايات على الانتخابات تبدو أكثر ضعفًا حيث حاول الرئيس السابق دونالد ترامب وحلفاؤه الضغط على ولايات مثل أريزونا وجورجيا وميشيغان لعدم التصديق على نتائج الانتخابات.
ورغم عدم الاستسلام للضغوط، دفعت الاضطرابات بعض المراقبين للقول بأن السيطرة على الانتخابات يجب أن تكون مركزية.
وأصبح اختلاف طرق إدارة الولايات للانتخابات محورا مركزيا للساعين في التشكيك في شرعية الانتخابات، والقول إن أي مسؤول محلي قد يقع فريسة لإغراء المال أو السلطة أو طاغية محتمل.
ومع ذلك، فإن السيطرة المركزية على الانتخابات لها نقاط ضعف أيضا، لأنه قد يعني أن الساعين لتقويض نتائج الانتخابات سيحتاجون إلى الاستيلاء على سلطة واحدة فقط، بدلا من السيطرة على السلطة في ولايات عدة في الحالة السابقة.
ويوفر النظام الفيدرالي حماية للديمقراطية بعدة طرق؛ فأولاً، تضمن سيطرة الولايات أن الانتخابات الرئاسية هي عملية معقدة ومتعددة المستويات ومتعددة الأشهر تشمل التصويت والفرز والتصديق والتي يقع الجزء الأكبر منها على عاتق مسؤولي الولاية.
هذا ما أكدته تعديلات عام 2022 على قانون فرز الأصوات الانتخابية التي أعادت تعريف التصديق على الأصوات وأكدت على دور نائب الرئيس باعتباره احتفاليًا بحتًا.
وثانيًا، يجعل العدد الهائل من الولايات القضائية المختلفة على مستوى الولايات، أي محاولة لسرقة الانتخابات أكثر صعوبة.
خطر الولاية المارقة
أثار الهجوم على الكابيتول في يناير/كانون الثاني 2021 احتمال إحباط نتيجة الانتخابات عن طريق العنف السياسي لكنه أثار تهديدا آخر للديمقراطية يتعلق بانقسام النظام الفيدرالي للحد الذي يدفع إحدى الولايات لإعلان فوز مرشح مفضل كما كان يأمل أنصار التمرد.
تقليديا، كان مسؤولو الولايات يحترمون العملية الانتخابية وهو ما حدث في 2021، لكن التمرد وضع الجمهور الأمريكي في حالة تأهب.
ورغم صمود النظام في ذك الوقت لكن لا ينبغي أن يعتمد الأمر على التزام مسؤولي الولاية.
وتعتمد الفيدرالية على الموازنة بين سلطات الولايات والسلطات المركزية وبالتالي، فمثلما تمنع الفيدرالية طغيان الحكومة المركزية، فإنها تمنع حكومات الولايات من تدمير الكل، حيث يمنح الدستور الكونغرس صلاحيات للتدخل من خلال تمرير قوانين الانتخابات مثل قانون حقوق التصويت لعام 1965، وقانون مساعدة أمريكا على التصويت لعام 2002.
كان الكونغرس قد مارس سلطته بالفعل في قانون إحصاء الناخبين لعام 1887، الذي وضع قواعد ومواعيد نهائية دقيقة نسبياً تحكم تحديد كل ولاية لقائمة الناخبين لديها.
وفي عام 2022، عزز قانون إصلاح فرز الأصوات الانتخابية، القانون الأصلي من خلال إنشاء نظام للإشراف القضائي، حيث يكون للمحاكم الكلمة الأخيرة في فرز الأصوات القانوني وتحديد قائمة الناخبين.
أكثر أمانا
رغم الالتزامات المؤسسية العميقة بالديمقراطية وسيادة القانون في الولايات المتحدة، فقد قدم العقد الماضي أدلة كافية على أن المؤسسات يمكن أن تتعرض للتهديد المباشر.
والواقع أن الفيدرالية ليست حلا سحريا، ولكنها توفر قدرا من الحماية ضد القوى المناهضة للديمقراطية التي تسعى إلى تحريف إرادة الشعب لأنه يجعل من الصعب للغاية سرقة الانتخابات من القمة من خلال توفير ثقل موازن للولايات المارقة المحتملة وخلق بيئة يمكن أن تؤدي فيها التجارب على مستوى الولاية إلى ممارسات أوسع نطاقا تخدم الجمهور بشكل أفضل، وفق تقارير أمريكية.