بدأ الاهتمام بموضوع أشباه الموصلات عالميا مع فرض الولايات المتحدة حظرا على تزود شركة هواوي الصينية بأشباه الموصلات الأمريكية.
ثم وسعت من هذا الحظر بفرض حظر على تزود هواوي وغيرها من شركات التكنولوجيا الصينية بأشباه الموصلات المنتجة خارج الولايات المتحدة، والمستندة في إنتاجها إلى تكنولوجيا أمريكية.
وانتقل الاهتمام بالموضوع إلى كافة أنحاء العالم مع عدم كفاية إنتاج أشباه الموصلات للطلب العالمي عليها، وذلك مع تزايد الطلب على بعض المنتجات نتيجة للعمل من المنزل، إثر انتشار فيروس كورونا، إذ زاد الطلب على المنتجات الإلكترونية بدءا من الحاسبات الآلية وانتهاء بأجهزة الألعاب للتسلية، وأخيرا تأثرت صناعة السيارات مع حدوث نقص في أشباه الموصلات التي تدخل في صناعتها.
ونتيجة لذلك خفض صانعو السيارات من إنتاجهم من طوكيو إلى ديترويت بالولايات المتحدة. وأصبح من الصعب العثور على بعض المنتجات الإلكترونية في معارض البيع. والشيء المشترك بين كل هذا هو النقص المباغت والمتتالي في أشباه الموصلات.
وأشباه الموصلات المعروفة أيضا بالدوائر المتكاملة أو مجرد الرقائق، ربما تكون دقيقة لكنها من أصعب الأجزاء التي يتم صنعها على النطاق العالمي. وقد أجبر هذا المستوى من الصعوبة على الاعتماد المتزايد على اثنين من المصنعين الآسيويين -شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات وشركة سامسونج للإلكترونيات- إذ يقدر أن تايوان وكوريا الجنوبية تسيطران على حوالي 81% من مسابك إنتاج أشباه الموصلات العالمية. والنزاع المتصاعد بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم الولايات المتحدة والصين أدى إلى تفاقم الاعتماد، مع قطع الولايات المتحدة الإمدادات من أشباه الموصلات لعملاء صينيين معينين.
ويضع الآن قادة العالم من واشنطن إلى بكين الإمداد بأشباه الموصلات كأولوية أولى لحكوماتهم، للإبقاء على المصانع في حالة عمل وللحفاظ على الأمن القومي، حيث صار نقص الرقائق قضية أمن قومي بامتياز. وسوف يتم إنفاق مئات المليارات في عدد كبير من القطاعات في السنوات المقبلة في سباق الرقائق مع آثار جيوسياسية إلى جانب الآثار الاقتصادية لذلك.
فمن المقدر أن تنفق شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات وحدها نحو 100 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة المقبلة في إنشاء المصانع وشراء المعدات والآلات لزيادة طاقتها الإنتاجية.
وقد أدركت واشنطن أن حفنة قليلة من الأجزاء الناقصة يمكنها إغلاق مصانع السيارات في أرجاء البلاد، وتتحدى أمن العمال وتضر بآفاق التعافي من جائحة كوفيد١٩. وقد تقدم مسؤولو الحكومات في الولايات المتحدة، وألمانيا، واليابان مناشدين تايوان مدهم بالمزيد من الرقائق لتجنب كارثة اقتصادية.
وأدركت الصين أن الولايات المتحدة قادرة على خنق الإمدادات من الرقائق لشركاتها الكبرى، وهو تعرض للخطر يرى الرئيس الصيني شي جين بينغ والحزب الشيوعي الصيني أنه أمر لا يمكن احتماله. وسوف تضخ بكين أكثر من 100 مليار دولار في جهود من أجل بناء صناعتها للرقائق محليا. وقد جعل شي من التطور التكنولوجي أولوية وطنية وذلك في الخطة الخمسية الرابعة عشرة التي تمت مناقشتها في المجلس التشريعي الصيني وإقرارها خلال شهر مارس الماضي. وفي هذا الإطار تسعى الصين إلى اكتساب مهارة تصنيع أشباه الموصلات من الجيل الثالث وهي الصناعة التي تعتبر حديثة جدا حتى في البلدان الصناعية الكبرى مثل اليابان والولايات المتحدة.
والنتيجة الواضحة حتى الآن هي أن الحكومات والشركات سوف تتصارع لسنوات مقبلة حول التفوق في مجال أشباه الموصلات. وتعد كل من تايوان وكوريا الجنوبية في مكانة جيدة في هذا الصدد، مما يعطيهما قوة اقتصادية وجيوسياسية. بينما على الولايات المتحدة والصين الاستثمار بشدة للحفاظ على أفضل ما في هذه الصناعة وإلا خاطرا بفقدان قيادتهما العالمية.
ومع تيقن الولايات المتحدة لخطورة تعرضها في هذا المجال، وتعرض أمنها القومي للخطر، من المخطط أن يلتقي مستشارو الرئيس بايدن الكبار للأمن القومي والاقتصاد يوم 12 أبريل مع شركات أشباه الموصلات والسيارات لمناقشة النقص العالمي في أشباه الموصلات.
إذ سوف يناقش مستشار الأمن القومي جاك سوليفان ومدير مجلس الاقتصاد الوطني برايان ديز آثار النقص في رقائق أشباه الموصلات والخطوات المقبلة مع قادة الصناعة.
وقد أضافت مصادر رسمية في الإدارة الأمريكية أن البيت الأبيض متداخل أيضا مع الكونجرس والحلفاء في الخارج حول هذا الموضوع.
وتتضمن الشركات التي تم دعوتها للاجتماع صانعي السيارات وأشباه الموصلات، وكذا شركات التكنولوجيا وشركات الأجهزة الطبية. ومن بين هؤلاء شركة سامسونج للإلكترونيات، وشركة جنرال موتورز لصناعة السيارات، وشركات مسابك إنتاج أشباه الموصلات العالمية.
ويرجع نقص رقائق أشباه الموصلات إلى زيادة الطلب على المعالجات الدقيقة في وقت الوباء، مع ارتفاع طلب المستهلكين على أجهزة الكومبيوتر المحمولة، وأجهزة الشبكات والاتصالات في المنازل مع تحولهم للعمل وللدراسة من المنزل.
وقد أجبرت شركات صناعة السيارات على إبقاء بعض مصانعها عاطلة عن العمل في أمريكا الشمالية بسبب التأخر في إمداداتها من رقائق أشباه الموصلات.
وتدرس إدارة بايدن الحوافز التي يمكن تقديمها لزيادة إنتاج أشباه الموصلات محليا وتراجع التعرض للخطر فيما يتعلق بسلاسل الإمداد من الخارج. وقد أعلنت شركة إنتل في الشهر الماضي عن خطط لاستثمار 20 مليار دولار في مصنعين جديدين في ولاية أريزونا، بينما التزمت كل من شركة سامسونج وشركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات ببناء طاقات إنتاجية أكثر في الولايات المتحدة. ويدفع المشرعون من أجل توفير تمويل في هيئة منح سوف تتحرك من خلال الكونجرس في هذا الربيع في جهد أوسع في التنافس مع الصين. وبشكل منفصل، مارست شركات أشباه الموصلات الأمريكية ضغوطا من أجل منح إعفاء ضريبي يرد إلى دافعي الضريبة على الرغم من أنه ليس متضمنا في الإجراءات المزمعة.
هكذا تحولت قضية أشباه الموصلات خلال عام واحد من قضية في الصراع العالمي بين الولايات المتحدة والصين، إلى قضية أمن قومي تهم كافة دول العالم الصناعية مع عدم كفاية الطاقة الإنتاجية الحالية للوفاء بالطلب عليها. وبينما تتجه الصين خلال الأعوام القليلة المقبلة إلى وضع استثمارات ضخمة لتوفير ما تحتاجه من أشباه الموصلات محليا، تتجه الولايات المتحدة إلى محاولة زيادة الحوافز أمام المصنعين الأمريكيين والعالميين لإقامة مصانع للإنتاج داخل الولايات المتحدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة