كنا في طابا نحتفل بذكرى تحريرها وعودتها كاملة للسيادة المصرية، حين أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية يوم الثالث من إبريل.
موعدا لنقل المومياوات الملكية من المتحف المصري بميدان التحرير إلى متحف الحضارة المصرية بالفسطاط
في مساء هذا اليوم كانت خيمة بدوية قد تهيأت لاستقبال الضيوف على العشاء ضمن فعاليات فنية وثقافية متنوعة إحياء لذكرى التحرير
دخلت الخيمة فلمحت وزير السياحة الدكتور خالد العناني ومعه مستشارته الإعلامية الزميلة نيفين العارف أسرعت نحوهما مهنئا بالإعلان عن موعد انطلاق الموكب الذهبي وتحدثنا كثيرا عن اليوم واهتمام وسائل الإعلام الأجنبية بنقله وتوجيه فرقها لتغطية الحدث من القاهرة ، تحدث الرجل بثقة من يعرف جيدا أن الله لا يضيع أجر المخلصين الذين عملوا بجد ودأب لخروج هذا اليوم على النحو المشرف لمصر والمصريين ، وكعادتي طلبت تسهيل عمل الفرق الإعلامية وتقديم كل ما تحتاجه فكان الرد واضحا : لا تقلق كل شيء معمول حسابه وسيخرج اليوم في أبهى صورة.
اليوم الموعود
في اليوم الموعود كنت وزملائي الصحفيين وممثلو وسائل الإعلام من جنسيات مختلفة نتابع الحدث وننقله بالصوت والصورة من منصة أعدت بعناية لوسائل الإعلام الأجنبية كي تتمكن من التغطية بالشكل اللائق، فيما كانت وسائل الإعلام المصرية تصطف في منصة أخرى للنقل المباشر
ساعات أمضاها الجميع يلفهم شعور طاغ بالفخر والسعادة، مصريون وعرب وأجانب الجميع فرحين بالحدث الأسطوري، الجميع فرحين وفخورين بأنهم شاركوا في تغطية فعالياته ...
أقول الجميع دون مبالغة إلا فئة قليلة أصابها المشهد بالحسرة، فراحوا يتخبطون في ارتباك واضح فشكلت تغطيتهم للحدث نشازا صوتيا وبصريا مزعجا ...
إنهم الإخوان ووسائل إعلامهم ومن دار في فلكهم من المؤلفة جيوبهم الممتلئة عقولهم بسخف الأفكار وأرذلها
توت عنخ آمون
في 28 فبراير عام 1922 أعلنت بريطانيا من جانب واحد رفع الحماية عن مصر وأن مصر " دولة مستقلة ذات سيادة " وإن احتفظت بريطانيا لنفسها بما عرف بالتحفظات الأربعة التي فرغت إعلان الاستقلال من مضمونه
المهم في سياقنا هذا أن الحركة الوطنية المصرية واصلت نضالها من أجل الاستقلال التام واستمر سعد زغلول ورفاقه من قادة الوفد ومعهم جموع الشعب المصري في المطالبة بالجلاء وإنهاء الاحتلال
وفي الرابع من نوفمبر من العام ذاته أعلن عالم الآثار البريطاني هيوارد كارتر عن اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون وفي 16 فبراير من العام التالي كان أول إنسان تطأ أقدامه أرض المقبرة
أحدث هذا الكشف الأثري المهم موجة فخر لدى جموع المصريين وكتب المؤلف يونس القاضي صاحب كلمات النشيد الوطني الحالي " بلادي بلادي"
أغنية احتفالا بهذا الكشف وإعلانا لفخر المصريين بأجدادهم وانطلاقهم من تلك المناسبة نحو المطالبة بالاستقلال، ولحن الأغنية الموسيقار محمد القصبجي وغنتها سلطانة الطرب منيرة المهدية
كانت كلمات الأغنية البسيطة تقول:
ما يجيش زي إن لف الكون
وانا أبويا توت عنخ آمون
اسأل التاريخ ينيبك
عن مجدنا وبعدين أماشيك
انت تغر الناس حكاويك
وانا أبويا توت عنخ آمون
بإيه تزيد انت عليا
وبلادي مهد الحرية
ومصر أم المدنية
وانا أبويا
توت عنخ آمون
كان هذا قبل أن تبتلى البلاد بظهور جماعة الإخوان عام 1928
حفنة من تراب عفن
كانت مصر آنذاك على قلب رجل واحد تطالب بالاستقلال وتحفظ لسبيكتها الوطنية تماسكها وتؤمن بتراكمها الحضاري من الفرعونية إلى العربية الإسلامية، وتعدد روافدها الثقافية المكونة للوعي والوجدان الجمعي
غير أن ظهور جماعة الإخوان وتمددها أعاد طرح أسئلة الهوية وخلق تعارضا مصطنعا بين طبقات مصر الحضارية، بل وأعمل معاول الهدم في الفكرة الوطنية ذاتها حتى نطق مفكرهم الأشهر سيد قطب بأن الوطن ليس سوى " حفنة من تراب عفن"، وبذات الاعتقاد نطق مرشدهم السابع محمد مهدي عاكف بمقولته الشهيرة " طظ في مصر "
كنت أتابع ما يقوله إعلام الإخوان متنوع الوسائط لاحتفالية نقل المومياوات الملكية وتمر أمام عيني أقوال وأفعال الإخوان منذ نشأتهم ...علق أحدهم على الاحتفالية بقوله: إنهم يريدون طمس الهوية الإسلامية لمصر بتمجيدهم " الفراعنة الكفار " وردد آخر: كيف تحتفلون بالأموات الذين سيخلدون بكفرهم في النار ؟!
لم يأت هؤلاء بجديد فمن نبع البنا وقطب المسمم شربوا وعلى أفكارهم الفاسدة تربوا
فمصر التي تحفظ الإنسانية عطائها الحضاري ليست بالنسبة لهم سوى " حفنة من تراب عفن " وتاريخ مصر الذي مازال يبهر العالم بأسراره ليس سوى " صفحات من سيرة الكفر "
مصر الفرعونية بالجد العربية بالأب لا يحبها الإخوان
مصر المؤمنة بحرية الاعتقاد، الحافظة لسبيكتها الوطنية لا يحبها الإخوان
مصر الواعية لتنوع روافدها الثقافية، وتعدد طبقاتها الحضارية لا يحبها الإخوان
سيذهب الإخوان كما ذهب من سبقهم من جماعات التطرف والإرهاب وستبقى مصر مؤمنة بتاريخها متطلعة نحو مستقبلها قوية بسواعد أبنائها.
نقلا عن سكاي نيوز عربية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة