بعد الجلسة التاريخية لمجلس النواب الليبي ومنح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية.
بدأ المجلس الرئاسي والحكومة مهامهما نحو تحقيق استحقاقات المرحلة الراهنة، وأهمها المصالحة الوطنية التي تدعم وحدة واستقرار ليبيا، وتوحيد مؤسسات الدولة وإجراء الانتخابات في موعدها المقرر في الرابع والعشرين من شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وباعتبار ليبيا الرئيس الحالي للاتحاد المغربي ستبذل كل ما في وسعها خلال الفترة الحالية بالتعاون مع أشقائها والهيئات الدولية بهدف تحقيق تطلعات الاتحاد المستقبلية لمواجهة التطرف وتحقيق الوحدة الوطنية المغربية، وستوجه قريباً دعوة لبدء التئام اجتماعات اتحاد دول المغرب العربي المتوقفة على مختلف المستويات، والاتحاد يواجه عراقيل عديدة ولم تُعقد أي قمة على مستوى قادة الاتحاد منذ عام 1994م التي استضافتها تونس، والهدف اليوم يتجلى بضرورة تفعيل مؤسساته، وتنفيذ مخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي ودعمها الكامل للمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية في جميع المجالات المشتركة عربياً وأفريقياً.
وعلى امتداد ساحات دول المغرب العربي، تنتشر التنظيمات المتطرفة، ويُعد تنظيم "المرابطين" من أكبر التنظيمات الإرهابية، ويتكوّن من تنظيم "التوحيد والجهاد" وبأعداد كبيرة، وهناك تنظيم "الموقعين بالدماء" ويتشكل من أفراد يمتلكون الخبرة العسكرية، عدا عن عودة تنظيم "المرابطين" إلى صفوف "القاعدة" الذي يعزز من مواقفها وانتشارها، وبكل وضوح فإن الجهود المبذولة في المعركة ضد الإرهاب في الساحة التونسية غير كافية فيما يتعلق بمكافحة ومقاومة أماكن الاستقطاب الافتراضية، وللعلم لم تجرِ المتابعة الجدية للحد من التحركات المشبوهة، وبذلك فإن وجود تنظيم القاعدة في دول المغرب العربي ضاعف من وصول السلاح إلى الجماعات الإرهابية.
ما يمكن التأكيد عليه أن القوى الوطنية الليبية لن تنصاع أو تقبل بالأيديولوجيا أو الوحشية التي تمارسها الجماعات المتطرفة، وأن سلوكاً جديداً يتّبعه تنظيم داعش والفصائل المسلحة المحسوبة على النظام التركي قد يوفر للتنظيم مساحة أكبر للعمل، وعلى وجه الخصوص فإن المواقف الدولية حيال ليبيا بما فيها التطورات السياسية في الداخل الليبي تهدف إلى تحرير البلاد من المليشيات المسلحة التي عملت على تدمير المؤسسات الليبية وعاثت فيها فساداً.
وبطبيعة الحال لا تتمتع ليبيا بنفس نوع الديناميكيات الطائفية التي شهدناها في العراق وسوريا، ناهيك عن الحرب الأهلية التي تلوح في الجوار والشبيهة بتلك التي اندلعت في سوريا، واستمرار الدول التي آلت على نفسها محاربة التنظيمات الإرهابية، ومواصلة التنسيق مع الحكومة الوطنية الليبية لاستهداف مواقع التنظيمات المتطرفة من خلال الضربات الجوية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع شركائها في ليبيا من أجل تفكيك معسكرات المسلحين، وبالتالي منع تنظيم داعش من الظهور في دول المغرب العربي مرة أخرى على غرار العراق وسوريا، وتفادي التبعات السلبية التي قد تترتب على أي هجوم شامل على طرابلس وتعزيز إمكانية مواجهة الفصائل المتطرفة ورحيل القوات التي دخلت البلاد بطرق غير شرعية بما فيها مرتزقة أردوغان عن ربوع المدن الليبية بشكل كامل.
ولم يكتفِ أيضاً نظام أردوغان بتهريب السلاح عبر حدوده إلى سوريا والعراق وليبيا لدعم التنظيمات الإرهابية، بل وصل إرهابه إلى الجزائر، حيث كشفت في وقت سابق محاكمة أربعة عشر شخصاً أمام محكمة الجنايات في العاصمة الجزائرية عن نشاط إجرامي خطير لعصابة دولية مختصة في تهريب الأسلحة والذخيرة من تركيا إلى الجزائر، والجلسة كشفت أن هذه الأسلحة يتم تمريرها عبر تونس والحدود الشرقية من ولاية "تبسه" لاستعمالها كتجارة رابحة تجني من ورائها المليارات بعد بيعها لاحقاً لأفراد عصابات متطرفة، ولخلق اضطرابات في الشمال الأفريقي.
وأمام دول اتحاد المغرب العربي الذي تأسس عام 1989م متطلبات واسعة لتطويق معسكرات التدريب الإرهابية التي تعد من أخطر الممارسات، وأعمالها وتحركاتها تؤدي إلى انتشار الإرهاب وترويج ونشر الأيديولوجيا المتطرفة الداعية إلى العنف والتطرف والكراهية، وتبدو اجتماعاته شبه معطلة، ومنذ عام 1994م لم يتخذ أي موقف حيال تلك الأزمات، خاصة حول واقع التنظيمات الإرهابية، وبوجود العراقيل الكثيرة شلّت دوره وهددت أركانه وجعلته دون فاعلية لأسباب سياسية وصراعات حادة بين دول المغرب العربي، وينبغي العمل على إدخال تعديلات جذرية وإصلاحات لمؤسسات الاتحاد، وأبرزها إقرار برلمان للاتحاد منتخب مباشرة من الشعوب المغربية كشرط أساسي لدفع ديناميكية البناء المغربي العربي الموحد.
الأزمات التي تعصف بدول المغرب العربي تؤججها التنظيمات التكفيرية، ويتطلب من دول الاتحاد أن تقوى وتتلاحم مع بعضها لمواجهة التيارات المشبوهة في الشمال الأفريقي، والتنسيق الأمني الكامل للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية وتنفيذ الاتفاقيات التجارية بين وزراء خارجية دول الاتحاد، واستقرار دول الاتحاد يتوقف على مدى اندماج دول المغرب في المحيط العربي، وعدم الاندماج يُعقّد المواقف ويُضعف قدراته التفاوضية مع بقية التكتلات الاقتصادية والسياسية والأمنية الإقليمية والدولية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة