شبكات «الحوالات السرية».. شريان حياة يختنق بين سول وبيونغ يانغ

من سول إلى بيونغ يانغ، لا تزال قصص المعاناة والبحث عن وسيلة للبقاء تكشف جانبا خفيا من حياة الكوريين الشماليين، الذين يجدون في شبكات تحويل الأموال غير الرسمية شريان حياة لعائلاتهم خلف الحدود المغلقة.
هذه الشبكات التي طالما لعبت دورا إنسانيا في تخفيف الفقر والجوع، تعرّضت لهزات كبرى خلال جائحة كوفيد-19 مع تشديد القيود على الحدود، ثم تلقت ضربة أخرى مع الحملة الأمنية الأخيرة في كوريا الجنوبية، لتجد آلاف العائلات نفسها على حافة اليأس، وفقا لصحيفة الغارديان البريطانية.
تقوم آلية هذه التحويلات على مسارات معقدة ومحفوفة بالمخاطر، إذ يبدأ الأمر من كوريا الجنوبية، حيث يسلّم المنشقون المال لوسطاء غالبًا ما يكونون من أبناء مجتمعهم، ليُحوّل إلى العملة الصينية، قبل أن يُهرّب إلى كوريا الشمالية.
هناك، يتولى وسطاء محليون تسليم المبالغ للعائلات، وغالبا مع تسجيل مقاطع مصورة للتأكيد على وصولها.. لكن هذه العملية تتميز بالاقتطاعات والرشاوى، بحيث لا يصل سوى جزء من الأموال المرسلة إلى المستفيدين، ومع ذلك يظل هذا الجزء طوق نجاة لهم.
إرسال الأموال لم يكن مجرد دعم مالي، بل شكل وسيلة للارتباط بالعائلة من بعيد، وأحيانا وسيلة لإنقاذ حياة فرد مهدد بالتجنيد أو بالمجاعة.
تعكس هذه المبالغ، التي قد تصل في بعض الأحيان إلى ما يكفي لتوفير الأرز الأبيض لعام كامل، قيمة رمزية كبرى في بلد يُعد فيه تناول هذا النوع من الطعام دلالة على الرفاهية والاستقرار.
غير أن هذه القنوات القديمة بدأت تنهار تحت ضغط القانون. فقد باشرت السلطات الكورية الجنوبية تحقيقات موسعة في عام 2023، بحجة الاشتباه في وجود تهديدات أمنية، لكن غياب الأدلة على التجسس حوّلها إلى قضايا مالية تتعلق بخرق قوانين الصرف.
وبما أنه لا توجد قنوات قانونية لتحويل الأموال بين بلدين لا يزالان في حالة حرب رسمية، وجد الوسطاء أنفسهم متهمين بممارسات غير شرعية، لتتراجع قدرة الشبكات بنسبة قاربت 70% بحسب تقديرات العاملين فيها.
المشهد ازداد قتامة مع توقف العديد من الوسطاء الموثوقين عن العمل، ما ترك الكثير من الأسر دون وسيلة للحصول على الدعم المالي. وفي ظل هذه الفجوة، انتشرت عمليات الاحتيال، ليزداد تردد المنشقين في الاعتماد على شبكات جديدة خوفًا من ضياع مدخراتهم.
في مواجهة هذا الوضع، برزت دعوات لإيجاد مخرج قانوني يتيح تحويل مبالغ صغيرة لأغراض إنسانية، مع التشديد على ضرورة الموازنة بين الالتزام بالقوانين المالية ومراعاة البعد الإنساني. غير أن هذه الدعوات لم تجد طريقها بعد إلى التنفيذ، لتظل الأزمة قائمة وتترك خلفها قصصا شخصية مؤلمة.
وبعيدًا عن النقاشات القانونية والسياسية، يبقى البعد الإنساني هو الأشد وقعا.. فالكثير من المنشقين يعيشون شعورا دائما بالذنب تجاه عائلات تركوها وراءهم، ويرون في إرسال المال وسيلة لتخفيف هذا العبء النفسي، ولبناء جسر يربطهم بأحبائهم رغم المسافات والحواجز.
لكن مع تضييق الخناق على هذه الشبكات، باتت قدرة هؤلاء على رعاية أسرهم من بعيد مهددة أكثر من أي وقت مضى، في مشهد يلخص مأساة إنسانية تمتد بين شطرَي شبه الجزيرة الكورية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAg جزيرة ام اند امز