صرح رئيس الولايات المتحدة الأميركية الجديد دونالد ترامب مؤخراً، بأن حل الدولتين لمشكلة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ليس هو الحل الوحيد لهذه المشكلة، وأنه ليس متمسكاً بهذا الحل.
صرح رئيس الولايات المتحدة الأميركية الجديد دونالد ترامب مؤخراً، بأن حل الدولتين لمشكلة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ليس هو الحل الوحيد لهذه المشكلة، وأنه ليس متمسكاً بهذا الحل.
هذا التصريح يخلط أوراق القضية الفلسطينية من جديد ويدخلها في مسارات الطرق المسدودة. والحقيقة أنه بالتخلي عن حل الدولتين يزيد موضوع مصير الشعب الفلسطيني غموضاً، فهل يقصد بذلك تقديم حل جديد يقوم على وجود دولة واحدة؟ وما هي طبيعة هذه الدولة وما هو شكلها؟ من المعروف أن إسرائيل زرعت في قلب العالم العربي كدولة يهودية خالصة وليست أي شيء آخر، فحتى العرب الفلسطينيين من مسلمين ومسيحيين الذين يحملون جنسيتها حالياً ولم يخرجوا من فلسطين بعد نكبة عام 1948 هم مواطنون إسرائيليون من درجة أقل، سمها ما شئت، ثانية أو ثالثة أو غير ذلك، ولا يحظون بنفس الحقوق التي يحظى بها اليهود، وهذا بحد ذاته يجعلنا نشير إلى أن حل الدولة الواحدة الذي تطرحه بعض الدوائر الموالية لإسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية هو حل خطير جداً على مستقبل الشعب الفلسطيني.
فإذا كانت إسرائيل هي دولة لليهود وحدهم، فإن ذلك يعني أنه لا يمكن أن توجد دولة واحدة تضم اليهود والعرب الفلسطينيين من مسلمين ومسيحيين تقوم على مبادئ الديمقراطية وحق المواطنة المتساوية، أي وجود وطن يشمل جميع من يعيشون فيه على قدم المساواة.
إذا كانت إسرائيل هي دولة لليهود وحدهم، فإن ذلك يعني أنه لا يمكن أن توجد دولة واحدة تضم اليهود والعرب الفلسطينيين من مسلمين ومسيحيين تقوم على مبادئ الديمقراطية وحق المواطنة المتساوية
إن الخطورة الكبرى الكامنة حالياً في حل الدولة الواحدة هي أن الدولة المقترحة أو المطروحة ليست بدولة يهودية - عربية تقوم على الأراضي التي تقوم عليها إسرائيل منذ عام 1948، بالإضافة إلى الأراضي الفلسطينية الحالية، سواء تلك التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967 أو غيرها من الأراضي الفلسطينية، بل هو حل يقوم على ضم الأراضي الفلسطينية إلى دول جوار تلك الأراضي، فتذهب أراضي الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل حالياً بما في ذلك القدس الشريف بكاملها إلى إسرائيل، وتضم إليها ضماً نهائياً، وما تبقى من تلك الأراضي، خاصة القاحلة منها والتي لا ترغب إسرائيل في ضمها، تذهب إلى الأردن ويهجر إليها جميع الفلسطينيين لكي يصبحوا مواطنين أردنيين. ثم بعد ذلك يضم قطاع غزة وجميع الأراضي التابعة له والقريبة منه إلى مصر ويمنح مواطنوه الجنسية المصرية. وفي نفس الوقت يتم توطين جميع اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية الأخرى ويتم منحهم جنسيات تلك الدول.
هذا هو حل الدولة الواحدة المطروح حالياً، وهو حل يقوم على إذابة الشعب الفلسطيني إذابة تامة وصهره في الشعوب العربية الأخرى، وليس ذلك الحل الذي يتخيله بعض الفلسطينيين والعرب ويعتقدون بأنه قائم على دولة وطنية ديمقراطية تضم الفلسطينيين واليهود.
وبالتأكيد أن الفلسطينيين لن يقبلوا مطلقاً بحل الدولة الواحدة الذي وضحناه في السطور على هذا الأساس، وهذا يعني ترك واحد من أطول وأعتى الصراعات الجارية في المنطقة مستمراً. والغريب في الأمر هو أن تصريح الرئيس الأميركي الأخير يؤكد أن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة العربية وجوارها الجغرافي غير معزولة عن مصالح إسرائيل، رغم أن ذلك يُعنى بمستقبل إسرائيل ذاتها. إن استمرار الصراع القائم يعني أن إسرائيل لن تعيش مطلقاً في سلام، ولن تحظى مطلقاً بعلاقات طبيعية لا مع الفلسطينيين ولا مع جوارها، أي أنها ستعيش من خلال فوهة البندقية وفرض الأمر الواقع، وبالنتيجة فإن الفلسطينيين المهمشين والمقهورين سيردون على ذلك بطريقتهم وبعنف مضاد. فهل هذا هو المستقبل الذي ترجوه إسرائيل لنفسها، أو يرجوه لها من يّدعون لأنفسهم بأنهم حريصون على مستقبلها؟ لذلك نعتقد أن الوقت قد حان لتحريك وتفعيل الحل القائم على وجود دولتين، وأن تكف إسرائيل عن إقامة المزيد من المستوطنات على أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية، وعن تهويد القدس، وعن المزيد من قهر الشعب الفلسطيني، فهذه الممارسات تهدد هذا الحل وتجعله غير ممكن. إن الدفع باتجاه حل الدولتين هو المخرج الوحيد الذي من شأنه أن يحقق التطلعات الوطنية لكل من العرب الفلسطينيين ولإسرائيل.
*نقلاً عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة