أتلقى يومياً عشرات الرسائل عبر وسائل الاتصال الجماهيري، البعض منها رسائل دعاء ودعوات للهداية والالتزام بالدين، لكن بعض الرسائل الأخرى تدعو إلى الفتنة والكراهية بين العرب والمسلمين وغيرهم من الأجانب،
أتلقى يومياً عشرات الرسائل عبر وسائل الاتصال الجماهيري، البعض منها رسائل دعاء ودعوات للهداية والالتزام بالدين، لكن بعض الرسائل الأخرى تدعو إلى الفتنة والكراهية بين العرب والمسلمين وغيرهم من الأجانب، فأحد مشايخ الدين يقول: «شرف للمؤمن سفك الدم وسحق الجماجم دفاعاً عن دينه» بمعنى أن قيام مفهوم القتل وسفك الدماء في نفس المسلم يعتبر شرفاً بحد ذاته.
وشيخ دين مصري يخرج علينا عبر «الواتس آب» يشرح أهمية الجهاد وفوائده، فالمجاهدون يحصلون بعد هزيمتهم للعدو على الأموال والعطايا ويحق لهم سبي النساء والأطفال وبيعهم في سوق النخاسة. كل هذه السلبيات ضد الإسلام والمسلمين تبث عبر فضائيات مشبوهة أو وسائل الاتصال الجماهيري في الوقت الذي يحاول القادة في العالم العربي والخليج تأكيد أهمية محاربة الإرهاب وتجفيف جذوره الفكرية وقطع تمويله... فالحملة الدولية ضد الإرهاب بدأت تحقق نتائج باهرة في العراق وتحديداً في الموصل وكذلك في الرقة في سوريا، لذلك لا غرابة أن يخرج مؤيدو هذه الجماعات المتطرفة يروجون لـ «الجهاد» بين الشباب في محاولة يائسة لينخرطوا في هذه الجماعات.
وتشمل دعوات دعاة التطرف للشباب الترويج لمباهج الجنة عند الشهادة حيث تستقبلهم الحور العين ويخصص لكل شهيد (70) حورية...
السؤال من أين جاء هذا الفكر الديني المحافظ والمتزمت الذي يروج للآخرة بدلاً من الحياة الدنيا؟
هذه الأفكار الدينية المحافظة التي ترفض التغيير وتصر على بقاء الأفكار القديمة الجامدة ليست مقصورة على المسلمين... تاريخياً كانت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وبعض الفئات المتعصبة من البروتستانت سباقين في رفض الأفكار والتيارات الحديثة المتعلقة بالسلوك الاجتماعي؛ منها مثلاً رفض فكرة دوران الأرض حول الشمس وغيرها من الأفكار العلمية...
تكمن خطورة الجماعات الدينية المتطرفة في حقيقة الإصرار على تطبيق معايير أخلاقية ودينية صارمة حسب مفهومهم، كما أن لديهم الاستعداد لاستعمال العنف ضد كل من يختلف معهم في الرأي
تكمن خطورة الجماعات الدينية المتطرفة في حقيقة الإصرار على تطبيق معايير أخلاقية ودينية صارمة حسب مفهومهم، كما أن لديهم الاستعداد لاستعمال العنف ضد كل من يختلف معهم في الرأي والعقيدة أو الدين أو المذهب مثل الأقليات في بلداننا والأجانب في الخارج.
اليوم تشهد منطقتنا العربية تطورات متلاحقة وسريعة، فالتدخل الدولي والإقليمي في منطقتنا العربية تحت ذريعة محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم داعش.. كل ذلك يحصل والدول العربية تجد نفسها عاجزة عن مواجهة الإرهاب ودحره من أوطانها... فنحن كعرب لا نملك رؤية موحدة لكيفية التصدي للإرهاب سوى المفهوم الأمني... بدعم قوي من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترمب.
هنالك شعور سائد في الدول الغربية، ومنهم حلفاؤنا الغربيون، بأن الإرهاب وتمويله ودعمه نابع من العالم العربي نفسه وهنالك أدلة واضحة على ذلك منها، مثلاً، وجود بيئة اجتماعية حاضنة للإرهابيين والدليل على ذلك وجود مفكرين ورجال دين يروجون للإرهاب وهنالك جماعات وجمعيات أهلية إسلامية تجمع التبرعات للأنشطة الإسلامية المختلفة سواء في الكويت أو السعودية أو غيرهما.
السؤال لماذا أصبحت مجتمعاتنا حاضنة ومصدرة وتفرخ الإرهابيين وتصدرهم للخارج حيث ينشرون الأفكار ويرعبون المسالمين؟
هنالك أسباب كثيرة ساعدت على تفشي الإرهاب في منطقتنا لا يتسع المجال لذكرها كلها، لأن هنالك أسباباً سياسية واجتماعية وثقافية وغيرها... لكن الأمر المؤكد هو تردد العرب والمسلمين في دخول عصر الحداثة والتنمية.
ما هي الخيارات المفتوحة أمامنا للقضاء على الإرهاب، خصوصاً بعد انتهاء الحملة الدولية ضد «داعش»؟
هل نملك رؤية موحدة لمحاربة التطرف في البلاد العربية، خصوصا أن الإرهابيين غيروا نهجهم القديم وأصبحوا مجموعات صغيرة متفرقة ولديها قيادة غير مركزية تدير العمليات الإرهابية؟ واقع الحال أن النسبة العظمى من العرب، بمن فيهم عرب الخليج، لا يملكون رؤية موحدة لمحاربة الإرهاب بكل أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكن نحن نعتمد على الدول العظمى بما فيها الولايات المتحدة في تنسيق سياساتنا لمحاربة الإرهاب... مطلوب منا توحيد سياساتنا ورفض زج الدين بالسياسة واتباع سياسات منفتحة على العالم والأقليات في بلداننا ودحض كل مفاهيم الإقصاء والكراهية ضد الآخرين وهذا يتطلب تحجيم خطب الكراهية التي يروج لها دعاة التطرف الديني.
*نقلاً عن " الشرق الأوسط "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة