دبي هي مدينة المبادرات بامتياز. فمع مطلع كل يوم جديد تُطلق هذه المدينة العربية مبادرات تنموية وعقارية وإدارية ومعرفية جسورة تعزز مكانتها ضمن مدن القرن الواحد والعشرين
دبي هي مدينة المبادرات بامتياز. فمع مطلع كل يوم جديد تُطلق هذه المدينة العربية مبادرات تنموية وعقارية وإدارية ومعرفية جسورة تعزز مكانتها ضمن مدن القرن الواحد والعشرين. ومن بين أكثر المبادرات الحكومية طموحا، مبادرة دبي 10x التي أُطلقت مؤخراً وتهدف لجعل دبي متقدمة على بقية مدن العالم بعشر سنوات عبر التفكير خارج الاطر التقليدية. ولكي تتقدم دبي بعشر سنوات كاملة على مدن العالم فإنها بحاجة إلى بنية تعليمية غير تقليدية ومؤسسات جامعية متقدمة تستطيع أن تنافس أفضل الجامعات في العالم.
لا يوجد حاليا نقص في عدد الجامعات في دبي. فالبيانات تشير إلى وجود نحو 70 جامعة وكلية وفروعا لجامعات أجنبية في دبي التي تتصدر مدن العالم في مؤشر كثافة فروع الجامعات الأجنبية في مدينة واحدة. لكن معظم هذه الجامعات لا تفكر كثيراً بجودة التعليم الجامعي ولا تعطي اهتماما خاصا لخريجيها وحملة شهاداتها الجامعية بل تستغل ما توفره المدينة من ميزات ومغريات استثنائية لأغراض تجارية وربحية بحتة. لذلك فقد حان الوقت لمدينة دبي -التي تسعى لتأكيد موقعها كعاصمة الإبداع والابتكار- لأن تفكر بالكيف قبل الكم، وتركز من الآن فصاعدا على جودة التعليم الجامعي وليس على زيادة عدد الجامعات التي تتخذ من دبي مقراً لها.
مطلوب أن يكون بناء جامعة وطنية بمستوى هارفرد ضمن حلم دبي، بعد ذلك عليها السير بثقة وجرأة وتصميم وبجرعة من الطاقة الإيجابية التي تسري في كل زاوية من زوايا هذه المدينة
اذا أرادت دبي أن تكون حقا مدينة تفكر خارج المألوف، وتتقدم على مدن العالم الذكية بعشر سنوات، فهي بحاجة ماسّة وعاجلة إلى جامعة واحدة أو عدة جامعات تكون ضمن قائمة "أفضل 100 جامعة في العالم". لا يمكن في عالم اليوم أن تكون أي مدينة عظيمة بدون جامعة وطنية عظيمة تعمل وفق أفضل المقاييس العالمية وتنافس أكثر الجامعات جودة في إنتاج البحوث وقدرة على استقطاب العقول والمواهب البحثية والأكاديمية.
سباق دبي نحو التميز بدأ مبكرا لكن استدامته ستعتمد على وجود جامعة وطنية واحدة تنافس على المراتب الأولى في العالم وتكون نابعة من تربتها وبيئتها وتحمل اسمها وتعزز ريادتها كمركز للابداع والابتكار كواحدة من أهم مدن المستقبل. والمؤكد أنه لا يمكن استيراد ولا يمكن شراء مثل هذه الجامعة المبدعة، كما لا توجد طريقة سهلة وسريعة لتأسيسها. وعلى الرغم من صعوبة تأسيس جامعة بمستوى جامعة هارفرد التي تتصدر قائمة أفضل جامعات العالم إلا أن هذا الطموح المعرفي ليس بالمستحيل لمدينة المبادرات المدهشة دبي.
بناء جامعة بمستوى جامعة هارفرد في دبي يستحق أن يدرج على رأس قامة الأولويات المستقبلية، وحتى ضمن قائمة أكبر 5 تحديات تواجه هذه المدينة التي أكدت مراراً وتكراراً أنها لا تؤمن بالمستحيل. لقد أصبح بناء جامعة وطنية وفق أفضل المعايير من الضرورات الوطنية والتنموية والمعرفية التي لا تقبل التأجيل، ومن المهم التخطيط لتأسيسه عاجلا وليس آجلا.
ليس عسيرا على دبي بناء جامعة بمستوى جامعة هارفرد. فقد تمكنت المدينة من بناء أول اقتصاد في المنطقة يتجاوز الاعتماد على النفط كمورد واحد ووحيد في زمن قياسي وفي غفلة من الجميع. فمن استطاع بناء اقتصاد ما بعد النفط بنجاح مشهود، ويحول نموذج دبي التنموي إلى النموذج التنموي الصاعد في المنطقة، قادر أيضا على بناء جامعة بمستوى أفضل الجامعات في العالم. ولكي تبقي دبي على تميزها فإنها لم تعد بحاجة للمزيد من المشاريع العقارية العملاقة بل عليها اتخاذ مبادرة جريئة بتحويل قطاع التعليم والتعليم الجامعي وصناعة المعرفة الى القطاع الاستراتيجي المستقبلي.
سباق دبي نحو التميز بدأ مبكرا لكن استدامته سيعتمد على وجود جامعة وطنية واحدة تنافس على المراتب الأولى في العالم وتكون نابعة من تربتها وبيئتها وتحمل اسمها
وإذا كانت دبي ودولة الإمارات تخططان معا وسويا للوصول إلى كوكب المريخ بحلول 2021، فيمكنهما أيضا الاستثمار معا وسويا بسخاء في بناء جامعة وطنية تليق بسمعة الإمارات ودبي في رحلتهما من المحلية إلى العالمية ومن الأرض إلى السماء. فبناء جامعة وطنية بمستوى جامعة هارفرد هو بنفس أهمية الوصول الى كوكب المريخ، بل ربما أهم. تطوير صناعة التعليم والابداع هو أهم ركيزة من ركائز اقتصاد المعرفة البديلة الحقيقي لاقتصاد النفط. ما حققته دبي خلال الـ20 سنة الماضية من بناء أفضل بنية تحتية، وأفضل إدارة حكومية، وأفضل بيئة تشريعية وأفضل أجواء اجتماعية يؤهلها لبناء أفضل جامعة وطنية في زمن قياسي. عند ذلك سيقتنع الجميع بشكل كلي ونهائي أنه متى ما قررت دبي بناء جامعة وطنية تنافس أفضل جامعات الدنيا فإن هذه الجامعة سترى النور بنفس نهج الثقة والاقتدار والإبهار.
ويمكن لدبي أن تتجه شرقا وتستفيد من التجارب الجامعية الصاعدة بقوة في آسيا أكثر مما تولي وجهها غربا نحو تجارب جامعات أمريكية وأوربية تحتكر حاليا صدارة قائمة أفضل جامعات العالم. لا شك أن الجامعات الأمريكية والأوروبية عريقة وملهمة وتقدم أجود تعليم جامعي في العالم، لكن نجاحات صناعة التعليم واقتصاديات المعرفة في أكثر من دولة من دول قارة آسيا أهم للمستقبل. فهناك دروس مهمة وملهمة من واقع تجربة جامعة سنغافورة الوطنية وجامعة سيؤول في كوريا الجنوبية اللتين تنافسان أفضل الجامعات في الغرب وترتيبهما ضمن أفضل 100 جامعة في العالم.
فاذا كانت سنغافورة قادرة على بناء جامعة أصبح ترتيبها 24 ضمن قائمة أفضل الجامعات عام 2016 لماذا لا تستطيع دبي فعل ذلك خاصة أنها تمكنت من التقدم على سنغافورة في أكثر من مجال تنموي حيوي، كتطوير البنية التحتية والتشريعية والادارية وقطاع الطيران بل وقطاع السياحة. بل إنه إذا استطاعت جامعة سيؤول الوطنية التي تأسست عام 1946 أن تصعد سريعا وتحتل الترتيب 72 ضمن قائمة أفضل الجامعات فما الذي سيمنع دبي من بناء جامعتها الوطنية التي يمكن ان تدخل ضمن قائمة أفضل 100 جامعة في العالم خلال الـ 25 سنة القادمة؟
بناء جامعة وطنية بمستوى جامعة هارفرد سيكون التتويج الحقيقي لكافة مبادرات مدينة المباردات، ويجب أن يكون جزءا لا يتجزأ من تفكير دبي التي ترغب أن تكون على موعد مع التاريخ كمدينة قرطبة عندما كانت مركز الإبداع والتنوير والحضارة في العالم لنحو 800 سنة. دبي تحلم أيضا أن تكون قرطبة عصرها وزمانها ومركز التنوير والحضارة في منطقتها. ومهما كان الحلم ضخما وغير قابل للتحقيق من الوهلة الأولى، فإن دبي قادرة أن تجعله ممكنا.
كل ما هو مطلوب أن يكون بناء جامعة وطنية بمستوى جامعة هارفرد ضمن حلم دبي، بعد ذلك عليها السير بثقة وجرأة وتصميم وبجرعة من الطاقة الإيجابية التي تسري في كل زاوية من زوايا هذه المدينة التي حققت طموحات فاقت كل التوقعات، وتود الآن أن تتفوق على بقية مدن العالم بعشر سنوات أو أكثر.
* نقلا عن الموقع العربي لـ CNN
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة