كانت نقطة التحول التاريخية الكبرى في الإمارات هي قيام اتحادها، وسط ظروف صعبة على المستوى الإقليمي.
حيث كانت العراقيل، التي وضعتها القوى الدولية والإقليمية، وحيث الضعف العربي عموما بعد هزيمة 1967 ومن قبلها حرب اليمن.. هنا جاءت رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الثاقبة، وبصيرته النافذة، وعزيمته الصُّلبة، وصبره الجميل، فاستطاع مع إخوانه حكام الإمارات أن يبني أهم وأنجح تجربة اتحاد في التاريخ العربي الحديث.
استطاع الراحل العظيم كذلك أن يحقق إنجازات قرن في جيل واحد، حسبما عبّر أحد كتاب الغرب، فما تم في الإمارات في جيل واحد يستغرق قرنا من الزمان وأكثر في دول أخرى.
وقد يظن البعض أن مجرد اتحاد دولة الإمارات، وهو الإنجاز الأول، كان يمكن أن يغير الأحوال.. والحقيقة أن الاتحاد كان هو المقدمة وفتح الباب فقط، ليأتي ثاني الإنجازات، وهو بناء دولة حديثة لشعب مستقر وسعيد ينعم بالرخاء، وقد كان التحدي الأكبر هو: كيف يمكن نقل سكان الإمارات من حال إلى حال لمواكبة الحياة الحديثة حينها؟ وكيف أمكن إقناع الكل بأن فكرة الاتحاد ذاتها خير عميم؟
هنا يبدو السر في حكمة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، في مشاركة خيرات الأرض مع جميع سكان الأرض، وكانت البداية بالإنسان، ومن الإنسان بدأ بناء دولة الإمارات الحديثة على كل المستويات: مؤسسات حكم حديثة تحقق مصالح المواطنين وتنهض بهم.. بنية تحتية من طرق وخدمات ومدارس وجامعات ومستشفيات حديثة، وفوق كل ذلك استثمار في الإنسان الإماراتي.
استطاع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في وقت قياسي تكوين جيل متعلم ومدرَّب من المواطنين من مختلف الإمارات، قادر على قيادة الدولة.
ومع بناء الدولة الحديثة جاء الإنجاز الثالث للإمارات، وهو ترسيخ هوية واحدة لأبناء الإمارات، فأصبح الجميع يفخر بأنه إماراتي، وأنه من "عيال زايد"، وكان ذلك ثمرة من ثمرات عدله، الذي يشهد به الجميع، وأبوَّته الحانية على الكل، وإنسانيته التي شملت كل المواطنين والمقيمين.
نجح الأب المؤسس الإنسان والقائد في بناء مجتمع العدل، والتعاون والتراحم، والتسامح، والانفتاح على جميع بني البشر، فكانت الإمارات أعظم نموذج للتسامح في عالم اليوم، وكان شعبها من أسعد شعوب الأرض، وذلك لأن قيمة العدل والمساواة وحب الخير للجميع كانت من أهم القيم، التي رسخها القائد الإنسان في شعبه.
رابع الإنجازات، التي حققها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، القائد النادر والإنسان الحكيم، هي رعاية واستثمار نعم الله على الإمارات، فعلى الرغم من وجود الثروة النفطية، فإن حكمة الراحل دفعته للاهتمام بكل مصادر الخير، ولو كانت بسيطة مهملة في زحمة الخير الذي فاض على البلاد، فاهتمّ بالزراعة، خصوصا النخيل، وجعل من الإمارات واحدة من أهم الدول في هذا النوع من الاستثمار، كما اهتم بالتشجير وزراعة الغابات، والصيد البحري، واهتم بالإبل، واستطاع أن يحفظ كل الاقتصاد المتوارَث من الضياع، بل استثماره وتحويله إلى مصدر رزق وفير لمواطنيه، مستبقا ما يسمونه اليوم بـ"التنوع الاقتصادي".
خامس الإنجازات الإماراتية كان بناء مجتمع يقوم على حكم القانون وسيادته، فجميع الناس، مواطنين ومقيمين وزائرين، سواسية أمام القانون، فصارت الإمارات واحدة من أكثر دول العالم نجاحا في تحقيق حكم القانون، الذي هو سبب شعور كل مَن على أرض الإمارات بأنّ حقه مَصون، وهذا سبب أيضا من أسباب النهضة الإماراتية على المستوى الاقتصادي والسياسي والإنساني.
سادس الإنجازات هو ترسيخ علاقات الإمارات مع دول الجوار والإقليم والعالم، فهي تقوم على الحكمة والتوازن، فقد حرص رحمه الله أن تكون علاقات الإمارات مع جيرانها والعالم العربي علاقات أخوية عميقة تترفّع عن صغائر الأمور، ولا تدخل في صراعات ولا صدامات، تمد يد العون للجميع، وتسعى للصلح بين المتخاصمين، فقد التقى على أرضها المتخاصمون ليخرجوا متفاهمين، عبر جسور الحكمة وسعة الصدر والحنكة السياسية للأب المؤسس.
سابع الإنجازات، وضع الإمارات في موقع دولي يقوم على العمل الإنساني والتعاون الاقتصادي والعمل الخيري، حتى أصبح العالم أجمع يحب دولة الإمارات إلى درجة تجعل من الصعب أن تجد عدواً لها في أي مكان في العالم، لأن أياديها البيضاء في العمل الخيري في كل أزمات العالم مرئية وواضحة للجميع، دون تفرقة بين المحتاجين على أساس الدين أو العرق أو اللغة.
لقد ترك الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله ميراثا من المحبة في كل الدنيا لا يُقدر بمال، ولا تساويه كل كنوز الأرض، وقد سارت على نهجه الحكيم قيادة الدولة الرشيدة حاليا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة