3 ضربات غير مسبوقة تعرض لها حزب الله على مدار 72 ساعة فقط. بدأت بتفجير أجهزة "بيجر" واسعة الانتشار بين عناصره، تلاها تفجير أجهزة "لاسلكية" محدودة الانتشار وعميقة التداول.
ثالثة المصائب التي حلت على رأس الحزب تتمثل في تفجير مقر اجتماع قادة فرقة الرضوان (النخبة)، الذي أسفر عن مقتل القيادي البارز إبراهيم عقيل، رئيس الفرقة وعدد من كبار قادتها.
الصدمات الثلاث دفعت ملف الاختراق الأمني الذي يعاني منه حزب الله إلى واجهة الأحداث، إذ بات تحديد أماكن اجتماعات وتحركات قادة الحزب، واستهدافهم بدقة من قبل الطيران الإسرائيلي، دليلاً قاطعًا على أن الاختراق الأمني، قد وصل إلى دوائر "بالغة النفوذ" داخل الحزب اللبناني.
اكتشاف الثغرة
من البديهي أن خريطة تحركات واجتماعات قادة الهرم التنظيمي لا يعلمها إلا من هم في صدارة هذا الهرم. هناك معلومات متواترة لا يمكن المرور عليها مرور الكرام، فقد تداولت مواقع غربية أن إبراهيم عقيل أصيب بجروح طفيفة نتيجة انفجار جهاز "بيجر" الخاص به، وأنه خرج من المستشفى قبل الاجتماع المستهدف بساعات.
ما علمناه لاحقا أن إبراهيم عقيل يعد المسؤول الأعلى في الفرع المعلوماتي للحزب، وأن اجتماع قادة كتيبة الرضوان جاء في خضم التفجيرات المتزامنة لأجهزة اتصال الحزب، ما يعني أن الهدف من الاجتماع كان في المقام الأول تقديم تفسيرات مدعومة بالأسانيد والدلائل عن كيفية تعرض الحزب لهذه "الثغرة"، بالإضافة إلى محاولة الوصول إلى المسؤولين الضالعين في هذه المؤامرة.
من هنا، يمكن القول إن الاستهداف الإسرائيلي لاجتماع قادة نخبة الحزب كان بمثابة ضربة حققت أكثر من هدف في آن واحد؛ أولاً: التخلص من قيادات عسكرية وازنة في بنية الحزب العسكرية.
ثانياً: إحباط محاولات الحزب في كشف هوية "العملاء"، ما يعني استمرار إسرائيل في اتباع استراتيجية "جز الرؤوس" لتفكيك البنية الهرمية للحزب.
معضلة شبه مستحيلة
من واقع ذلك، يمكن افتراض سيناريوهات أخرى. في واقع مفخخ كالذي يعيشه حزب الله، تصبح كل السيناريوهات قابلة للتصديق.
السيناريوهات المحتملة تتمثل في أن "العملاء" ربما سربوا موعد، ومكان الاجتماع دون حضورهم بهدف القضاء على قيادات النخبة.
السيناريو الثاني هو أنهم سربوا موعد ومكان الاجتماع مع حرصهم على الحضور، بغرض تسريب ما دار فيه من نقاشات.
وفي هذه الحالة فإن تفجير إسرائيل للاجتماع حقق هدفين: الأول التخلص من القيادات العسكرية القادرة على اتخاذ القرارات في مسرح العمليات، والثاني القضاء على عملائها، وبالتالي إغلاق هذا الملف دون تمكن الحزب من كشفهم.
هذا السيناريو تحديدًا قد يدفع الحزب لمواجهة حالة من "شك الكل في الكل"، ما يزيد من حالة عدم الاستقرار في صفوف قياداته العليا، وربما يولد فتناً داخلية.
مناطق الألغام
من المعروف أن هناك خطوطًا حمراء تلتزم بها كل من الولايات المتحدة وإيران خلال الأشهر الأحد عشر الماضية، بهدف تجنب تحول تداعيات عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول إلى حرب إقليمية شاملة.
من جهتها، تحقق إسرائيل أهدافها في مواجهات الشمال، مع حرصها على عدم تجاوز "مناطق الألغام" المرسومة. هنا يكمن التحدي الأكبر أمام حزب الله: كيف ينتقم لهزائمه دون تجاوز الخطوط الحمراء؟ وكيف يرد دون أن يتحول الأمر إلى مواجهة عسكرية إقليمية شاملة؟
لم يكن مفاجئًا أن تدفع إيران بخبر الانتقام من اغتيال إسماعيل هنية إلى الواجهة في خضم هذه التفجيرات، إذ يبدو أن وراء هذا التهديد هدفًا هو تكبيل يد إسرائيل في استمرار عمليات الاغتيال.
السؤال الأكثر إلحاحًا هنا: إلى أي مدى سيصل التصعيد بين حزب الله وإسرائيل؟.. في تقديري، الأوضاع الراهنة لن تتجاوز حدود "الضربات المحسوبة" حتى يتم انتخاب الإدارة الأمريكية الجديدة.
إيران الداعم الرئيسي لحزب الله، ليس في مصلحتها الدخول في صدام مسلح مع الولايات المتحدة، فهي تراهن على استمرار الديمقراطيين في الحكم، وبالتالي إنجاز الملف النووي. وصول طهران إلى دولة "عتبة نووية" غاية تسمو فوق "الخسائر المؤلمة".
إسرائيل أيضًا تدرك قدرات حزب الله العسكرية جيدًا، لذا تتبع نهج "حروب الظل" في ضرباتها غير محسوبة العواقب.
القوى الدولية الكبرى، بدورها، تدرك خطورة ارتدادات حرب شاملة في الشرق الأوسط على الاستقرار والأمن الدوليين، خاصة في ظل تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية التي تمتد شظاياها إلى مساحات واسعة من جغرافية العالم.
بيت القصيد: ما تشهده المنطقة العربية منذ عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أشبه بساحة مفخخة بالألغام تتصارع فوقها قوى متعددة. كل حركة محسوب "أثرها وتأثيرها" سلفاً.
من يقف في الخط الخلفي للمواجهة، يجيد تحريك قطع الشطرنج وفق أهدافه المستقبلية.
الفارق الوحيد بين من يلعبون الشطرنج على رقعة الشرق الأوسط، ومن يلعبونه على رقعة الشطرنج، هو أن قواعد الشطرنج تمنح الفوز لمن يقتل الملك، أما اللعبة التي تدور أمام أعيننا، فإن كل الأطراف لا ترغب في موت "الملك".
*كاتب صحفي ومحلل سياسي مصري
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة