قبل أسبوعين من الذكرى الأولى لاندلاع أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وقبل ستة أسابيع من انطلاق واحدة من أهم الانتخابات الأمريكية وأكثرها إثارة، يقوم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات بزيارة تاريخية إلى الولايات المتحدة
يلتقي فيها اليوم الإثنين 23/9/2024 الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبته المرشحة الرئاسية ذات الحظ الوافر للفوز كامالا هاريس.
ويصادف هذا العام الذكرى الخمسين لقيام العلاقات بين دولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية، ففي عام 1974 بدأت العلاقات الرسمية مع الولايات المتحدة، حيث تم افتتاح السفارة الأمريكية في أبوظبي، وسفارة الإمارات في واشنطن في العام نفسه، ما وضع الأساس لعلاقات دبلوماسية متينة.
وتعد هذه الزيارة تاريخية في شكلها ومضمونها، فهي الأولى من نوعها للشيخ محمد بن زايد آل نهيان منذ توليه رئاسة دولة الإمارات، كما أنها أول اجتماع على الإطلاق في البيت الأبيض لرئيس إماراتي شاغل لمنصبه، فقد كان آخر اجتماع رسمي للشيخ محمد بن زايد آل نهيان في البيت الأبيض مع الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2017 وكان حينها ولياً للعهد في أبوظبي. تاريخياً تتميز علاقات البلدين بالتناغم والاحترام مع فترات فتور طبيعية، وبدأت الشراكة بين البلدين على أساس التعاون الدفاعي والأمني وهو ما يبدو واضحاً تاريخياً، واليوم تسعى الإمارات لأن تحول هذه العلاقة إلى شراكة ترتكز بشكل أساسي على التكامل الاقتصادي والتكنولوجي والمناخي.
وشهدت العقود الماضية محطات مهمة لتعزيز هذه العلاقات، من أبرزها التعاون العسكري بعد حرب الخليج الأولى (1990-1991) وفي عام 1994، وقّعت الإمارات والولايات المتحدة اتفاقية للدفاع المشترك، ما عزز التعاون العسكري والأمني بين البلدين بشكل كبير. وبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، أصبح التعاون في مجال مكافحة الإرهاب أحد الأركان الرئيسية للعلاقة بين الإمارات والولايات المتحدة.
ولعبت الإمارات دوراً رئيسياً في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، ونفذت عمليات عسكرية واستراتيجية لطرد القاعدة والجماعات الإرهابية من المناطق التي كانت تسيطر عليها. كما كانت الإمارات من أولى الدول في الانضمام إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمكافحة تنظيم "داعش" الإرهابي.
في عام 2000، أبرمت الإمارات صفقة لشراء طائرات F-16 من الولايات المتحدة، وهي من كبرى الصفقات العسكرية بين البلدين في ذلك الوقت.
على الصعيد الاقتصادي شهدت العلاقات الاقتصادية نمواً كبيراً، حيث أصبحت الإمارات تدريجياً أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتشمل الصادرات الأمريكية إلى الإمارات التكنولوجيا، والطيران، والسلع الاستهلاكية، بينما تستثمر الإمارات بشكل كبير في الولايات المتحدة، ووقعت عدة اتفاقيات اقتصادية واستثمارية لتعزيز التعاون. في عام 2009، وقعت الإمارات والولايات المتحدة اتفاقية للتعاون في مجال الطاقة النووية السلمية، بموجب هذه الاتفاقية، تمكنت الإمارات من تطوير برنامجها النووي السلمي بمساعدة خبرات وتقنيات أمريكية.
أخيراً وليس آخراً في سبتمبر/أيلول 2020، كانت الإمارات من أولى الدول العربية التي أقامت العلاقات مع إسرائيل ضمن "اتفاقات إبراهيم"، بوساطة أمريكية.. هذا الحدث شكّل نقلة نوعية في العلاقات الإقليمية وأكد دور الإمارات كدولة رائدة في تعزيز الاستقرار في المنطقة.
إذن، التاريخ يكشف أبعاداً من التعاون الكبير في مختلف المجالات الذي بدأ عسكرياً وأمنياً ووصل ليصبح اقتصادياً وسياسياً.. واليوم تسعى الإمارات لأن تأخذ هذه العلاقات نحو آفاق مستقبلية أوسع مركّزة على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وعلى استكشاف الفضاء فضلاً عن الاقتصاد.
يستطيع البيت الأبيض أن يدرك أهمية الدور الإماراتي في دعم السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، ويبدو ذلك واضحاً من خلال الحربين الكبيرتين الأخيرتين، فدورها في الحرب الروسية الأوكرانية كان إيجابياً في استمرار العلاقات والتواصل بين طرفي الحرب، وكان دورها المهم جداً في المساعدة في تقديم المساعدات الإنسانية بالإضافة إلى الدور الأكبر في الإفراج عن مئات الأسرى من الطرفين، من خلال ثماني وساطات ناجحة بين روسيا وأوكرانيا.
وفي حرب غزة نجحت دولة الإمارات في أن تكون داعماً إنسانياً وإغاثياً رئيسياً للشعب الفلسطيني بحكم العلاقة التي تربطها بإسرائيل، ونجحت في أن توجد جسراً جوياً إلى غزة وإيصال مئات الأطنان من المواد الغذائية والمواد الطبية والإغاثية التي ساعدت الشعب الفلسطيني على الصمود والتعامل مع الأزمة في غزة.
الوضع الإقليمي بلا شك سينال مساحة غير قليلة من الاجتماع بين الرئيسين، فبعد عام كامل من عدم الاستقرار والاضطراب والقلق الكبير في المنطقة بسبب حرب غزة والمواجهات العنيفة بين إسرائيل وحماس وقتل آلاف المدنيين من الطرفين وتدمير غزة بالكامل، فضلاً عن تطور الوضع في الأسابيع الأخيرة ليمتد إلى جنوب لبنان وصولاً إلى بيروت، أصبح الوضع يتطلب تحركاً لإيقاف هذه الحرب، وبلا شك أن للولايات المتحدة كلمتها وتأثيرها في هذا الشأن ولدولة الإمارات والشيخ محمد بن زايد رؤيته النابعة من عمق هذه المنطقة.
أما الملف الإيراني ومستقبل النظام وتحويله إلى طرف إيجابي في المنطقة، بدل أن يكون الطرف المقلق المستفز والمزعزع لأمن واستقرار المنطقة فلا يقل اهمية عن باقي الملفات، وذلك بسبب استمرار تدخلات إيران في الدول العربية ودعم المجموعات المتطرفة، والرؤية الأمريكية وتقاربها مع الرؤية الإماراتية والعربية، وأصبح ملفاً مهماً جداً، وبحكم خبرة ومعرفة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بشؤون المنطقة يمكن أن يقدم تصوراً مقارباً للتصور الأمريكي بحيث لا يكون أي سيناريو مستقبلي لإيران على حساب دول المنطقة.
المحطات التاريخية توضح كيف تحولت العلاقات بين الإمارات والولايات المتحدة من علاقة دبلوماسية تقليدية إلى شراكة استراتيجية شاملة.. فالعلاقات في الماضي كانت قائمة على التعاون الاستراتيجي والأمني والدفاعي ومحاربة الإرهاب، وعلى شراكات اقتصادية واستثمارية.
وتسعى الإمارات لأن تبني العلاقات المستقبلية وتركز على التعاون في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي واستكشاف الفضاء والعمل من أجل مستقبل أفضل للعالم في ظل التغير المناخي واستخدام أكبر للطاقة النظيفة، بالإضافة إلى العمل على نشر السلام في المنطقة والعالم.
التاريخ الماضي والمستقبل المقبل في صالح العلاقات الإماراتية الأمريكية، فهذه العلاقة القديمة المبنية على التعاون والعمل المشترك في الملفات المصيرية تأخذ هذه العلاقة نحو مستقبل ذي آفاق كبيرة، خصوصاً عندما تشترك الرؤى في المجالات المختلفة، أما الحاضر فهو ما يجب العمل عليه، وهذه الزيارة من أجل ترتيب الأوراق ووضع الأولويات في المرحلة الحالية للانطلاق نحو مستقبل يرضي طموح البلدين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة