الشيخ الشعراوي في ذكرى رحيله.. مات وما رحل (بروفايل)
تحل الجمعة 17 يونيو/ حزيران الذكرى 24 لوفاة الشيخ الشعراوي، أشهر مفسري القرآن في العصر الحديث، في مثل هذا اليوم من عام 1998.
ولا تزال تسجيلات الشيخ الشعراوي لتفسير القرآن هي الأكثر انتشارا وشهرة في مجالها رغم مرور ما يقرب من ربع قرن على رحيله، كما أن شعبيته الطاغية، خصوصا بين البسطاء، تبدو محل حيرة البعض، وغيرة البعض الآخر، بينما تثير أفكاره وبعض مواقفه حالة من الجدل الذي لا ينقطع رغم رحيل صاحبها وتقادم الزمن، لكن يبدو أن شعبية الرجل تجعله ضمن من ماتوا دون أن يرحلوا.
وآخر محطات هذا الجدل، ما تفجر عقب إعلان وزارة المالية المصرية عن إصدار ميداليات وعملات تذكارية لتخليد ذكرى شخصيات ومواقع تاريخية، كان من بينها ميدالية تذكارية للشيخ الشعراوي، إضافة إلى ثلاثة من باباوات الكنيسة المصرية "كيرلس، شنودة، تواضروس"، والرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والرئيس الراحل محمد أنور السادات.
وأثارت ميدالية الشيخ الشعراوي حالة من الجدل، عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، بين مؤيد لتكريم الشيخ الراحل، ومعارض يرى في شخصه مثالاً للتشدد.
وبالتوازي مع ذلك، روى الفنان المصري حسن يوسف، الذي جسد شخصية الشيخ الشعراوي في مسلسل "إمام الدعاة" الذي يتناول حياة الشيخ، موقفا حدث له مع الشيخ الشعراوي، قائلا: "رحت أسأل عليه في مسجد السيدة نفيسة لقيته بينضف المراحيض"، مؤكدا أن "أحداث المسلسل حقيقية". وأشار إلى أن الشيخ "كان يقف بنفسه ينضف مراحيض السيدة نفيسة"، مردفا: "كان متواضعا ولم يشعر بالكبر أبدا".
وأضاف: "ما قدمته في مسلسل الشعراوي في مشهد الوفاة سرده أبناء الشعراوي عندما حان أجله وطلب منهم أن يخرجوا من الغرفة وسمعه يتحدث مع السيدة عائشة والسيدة نفيسة والرسول صلى الله عليه وسلم حتى أسلم روحه".
واعتاد ملايين المصريين عقب أداء صلاة الجمعة، التحلق حول شاشات التليفزيون، في أيام كانت القنوات الفضائية فيها شحيحة الانتشار، انتظارا لموعد البرنامج الأسبوعي الأشهر "خواطر الشيخ الشعراوي" حيث يحدثهم الشيخ بلغة بسيطة وكلمات سهلة حول أعقد القضايا الدينية والفقهية، مفسرا آيات القرآن الكريم في سلاسة ويسر.
هكذا كانت الصورة التي تعودت عليها معظم بيوت مصر والعالم العربي كل جمعة، طيلة 25 عاما أطل فيها الشيخ الشعراوي على البيوت من خلال شاشات التلفاز بدءا من عام 1973، وحتى وفاته في 1998، عن 87 عاما، ليجمع بأسلوبه السهل البسيط وحديثه الشائق، قلوب المصريين والعرب.
البداية
ولد محمد متولي الشعراوي في 15 أبريل/نيسان 1911 في قرية "دقادوس" بمحافظة الدقهلية دلتا مصر، واعتاد الشعراوي الذهاب إلى كتاب قريته حتى نجح في حفظ القرآن وهو في سن لا تتجاوز 11 عاما.
ودفعت هذه الخطوة الطفل الصغير إلى الاطلاع على الدين والقراءة بشكل أعمق في نصوصه، واتجه في مرحلة صغيرة من حياته إلى حفظ النثر والشعر حتى اختير رئيسا لجمعية الأدباء بالزقازيق، الأمر الذي جعله شخصية قيادية في الحياة العامة حتى تولى مسؤولية اتحاد الطلبة بجامعة الأزهر عام 1934.
درس الشعراوي في كلية اللغة العربية وتخرج فيها عام 1941، وطوال هذه الفترة تميز بإلقاء الدروس في المساجد قبل أن يبدأ حياته المهنية بالتدريس في المعاهد الأزهرية في مدن الزقازيق وطنطا والإسكندرية، قبل أن ينتقل بعلمه وخبرته إلى المعاهد في الجزائر والسعودية.
وفي عام 1950 بدأ التدريس في كلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، واستكمل التدريس في جامعة الملك عبدالعزيز في مكة المكرمة قبل أن يعود إلى مصر عام 1961.
مناصب قيادية
بعد عودة الشيخ الشعراوي إلى مصر، تولى في حقبة السبعينيات منصب وكيل معهد طنطا الأزهري، ومسؤول الدعوة الإسلامية بوزارة الأوقاف المصرية وعمل مفتشا للعلوم العربية بالوزارة، قبل أن يعين مديرا لمكتب شيخ الأزهر وقتها الشيخ حسن مأمون عام 1964.
لم يتوقف عطاء الشيخ الشعراوي لخدمة الدين الإسلامي في مصر والسعودية فقط، بل امتد إلى دول عربية أخرى مثل الجزائر، بعد أن اختير رئيسا لبعثة التعريب الأزهرية عام 1966 لمعاونة الحكومة الجزائرية وقتها في إعادة قواعد الدين السليم عقب التخلص من الاحتلال الفرنسي، ونجح وقتها في وضع مناهج دراسية جديدة باللغة العربية بالمدارس الجزائرية.
وفي عام 1970 عاد الشيخ الشعراوي من جديد إلى المملكة العربية السعودية، لاستكمال مهمته في التدريس، وأصبح أستاذا زائرا في كلية الشريعة ورئيسا للدراسات العليا بجامعة الملك عبدالعزيز.
وعلى الرغم من أن الشعراوي كان يفضل طوال الوقت نقل خبراته في العلم والدين إلى آخرين، عبر دروس المساجد والتدريس في الكليات والمعاهد الأزهرية، فإنه اختير من قبل الرئيس المصري الراحل أنور السادات ليكون وزيرا للأوقاف عام 1976.
وسرعان ما تقدم الشيخ الشعراوي باستقالته من المنصب نهاية عام 1978، ليصبح بعدها عضوا بمجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، إضافة إلى اختياره عضوا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، نظرا لارتباط دراسته بهذا التخصص وتبحره في الأدب ونصوصه والشعر.
داعية إسلامي
في سبعينيات القرن الماضي، عاد الشعراوي إلى تقديم الدروس المسجدية وتفسير القرآن الكريم، وهي المهمة التي تميز بها وسط علماء الدين الإسلامي.
في هذه المرة لم تقتصر الدروس على المساجد فقط، بل دعمته الدولة المصرية بتخصيص برنامج "نور على نور" له لمدة عشرات السنوات المتواصلة بداية من عام 1973، وتدريجيا أصبحت دروس الشيخ الشعراوي جزءا أساسيا من حياة المصريين، بمشاهدة البث التليفزيوني الثابت "خواطر إيمانية" التي يفسر فيها آيات ونصوص القرآن الكريم.
وحرص الشيخ الشعراوي على نقل خبرته العلمية إلى كتب ومؤلفات عديدة مثل "المنتخب في تفسير القرآن الكريم" و"نظرات في القرآن الكريم" و"على مائدة الفكر الإسلامي" و"الإسلام والفكر المعاصر" و"مئة سؤال وجواب في الفقه الإسلامي" و"الطريق إلى الله" و"الشورى والتشريع في الإسلام".
ونظرا لدوره في المجتمع المصري، حصل على عدة أوسمة وجوائز بداية من وسام الاستحقاق لتقاعده عام 1976، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر عام 1983 ووسام الجمهورية وجائزة الدولة التقديرية عام 1988. كما اختير الشخصية الإسلامية للعام الهجري 1418، وذلك في إطار جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم.
وظلت إسهامات الشيخ الشعراوي في الدين وتفسير القرآن ممتدة حتى توفي في 17 يونيو/حزيران 1998.
aXA6IDMuMTQ0LjQ4LjcyIA== جزيرة ام اند امز