زايد في مئويته.. رجل السِلم والسلام
100 عام تحكي قصة رجل أسس فأقام دولة متفردة على المستوى العالمي، في السلم والسلام والأمن والخير والتسامح والمساواة بين الناس.
في السادس من مايو/أيار 2018، تصادف ذكرى مئوية مولد مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
يومٌ تتذكر فيها البشرية جمعاء، إنجازات الراحل التي لا تعد ولا تُحصى، لا سيما في مجال تعزيز أسس السلام في العالم ورؤيته الإنسانية لتوطيد العلاقات الدولية.
100 عام تحكي قصة رجل أسس فأقام دولة متفردة على المستوى العالمي، في السلم والسلام والأمن والخير والتسامح والمساواة بين الناس على اختلاف ألوانهم وأديانهم.
قائدٌ وضع أبجديات السلم وحل الخلافات في قاموس قائم على تحكيم لغة الحوار والعقل، فشهدت له مواقفه المشرفة لحقن الدماء في الوطن العربي والعالم.
الميلاد والنشأة
في عام 1918، ولد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في قصر الحصن بمدينة أبوظبي.
وكان والده الشيخ سلطان بن زايد حاكما لإمارة أبوظبي في الفترة من 1922 إلى 1926.
والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كان الابن الأصغر من بين 4 أشقاء، وجاءت تسميته على اسم جدِّه زايد بن خليفة المعروف بـ"زايد الأول" الذي حكم الإمارة من 1885 إلى 1909.
تمسك الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بأصوله العربية الأصيلة؛ إذ أظهر شغفا متزايدا بكل ما يمتّ لها بصلة، كإتقان الرماية وركوب الهجن العربية الأصيلة والخيل والصيد بالصقور.
وقد تكون بنيان شخصيته في فجر شبابه عندما كان في مدينة العين، فاستمد الكثير من صفائها ورحابتها.
وتفرد بشخصية فذة تتمتع بصفات الزعامة والقيادة السياسية والحنكة في اتخاذ القرارات.
قائد شديد الذكاء
في عام 1946، عُين الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ممثلا لشقيقه الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان حاكم إمارة أبوظبي في المنطقة الشرقية.
وامتدت فترة ولاية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان نحو 20 عاما، ليعرفه سكان المنطقة بشخصيته القيادية، التي حظيت بسمعة طيبة.
وحرص على الإشراف بنفسه على تنفيذ الإصلاحات، وكان مجلسه مفتوحا للجميع.
فقد كان نموذجا يُحتذى به في إدارة الحكم، وتمثَّلت مبادئ القيادة لديه في بناء الروابط القوية بينه وبين أفراد شعبه، والمحافظة على تلك الروابط.
وطبق مبدأ اتخاذ القرار بموافقة القبائل المختلفة وإجماعها، فضلا عن اهتمامه بالسفر إلى جميع المناطق القريبة والنائية؛ للاطمئنان على الناس، وتفقد أحوالهم، والسؤال عن حاجاتهم، ومشاورتهم، والاستماع إليهم قبل اتخاذ أي قرار، حتى ذاع صيته، وحظي بحب الشعب واحترامه، وكأنه فرد منه.
ويسجل الأرشيف الوطني لدولة الإمارات المآثر العظيمة له، فقد لفت الأنظار إلى ما قاله عنه ولفرد ثيسيجر الرحالة البريطاني الشهير الذي قطع صحراء الربع الخالي ووثّق رحلته الشهيرة تلك في كتابه "الرمال العربية".
فيسجل الرحالة البريطاني الشهير بعض الانطباعات في كتابه عن لقائه مع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فقال: "إن "زايد" رجل قوي البنية، لحيته بنية اللون، ووجهه ينمُّ عن ذكاء حادّ، وعيناه ثاقبتان قويتا الملاحظة، وهو يتميز بسلوك هادئ وشخصية قوية".
ولم يكتفِ بتلك الكلمات بل زاد عليها: "لقد كنت متشوقا للقاء زايد؛ فله شهرة واسعة في أوساط البدو الذين أحبوه لسلاسة أسلوبه غير الرسمي في معاملته لهم، ولعلاقاته الودية معهم، واحترموا فيه نفاذ شخصيته وذكاءه وقوته البدنية، وكانوا يعبرون عن إعجابهم به فيقولون: زايد بدوي مثلنا؛ فهو يعرف الكثير عن الهجن، ويركبها مثلنا، وهو ماهر في الرماية، ويجيد القتال".
وفي وصفه لأسلوب زايد في إدارة دفة الحكم، قال الرحالة البريطاني الشهير: "زايد رب أسرة كبيرة، يجلس دائما للإنصات لمشاكل الناس ويحلها؛ فيخرج المتخاصمون من عنده بهدوء، وكلهم رضى عن أحكامه التي تتميز بالذكاء والحكمة والعدل".
شهادة أخرى سجلها النقيب البريطاني السابق في قوة ساحل عمان أنطوني شيبرد، فقد نشر كتابا سماه "مغامرة في الجزيرة العربية" سجل فيه انطباعاته بعد لقاء الشيخ زايد.
فكتب: "كان زايد رجلا يحظى بإعجاب وولاء البدو الذين يعيشون في الصحراء المحيطة بواحة البريمي، وكان بلا شك أقوى شخصية في الإمارات المتصالحة".
"تدهشني الجموع التي تحتشد دوما حوله في البريمي، وتحيطه باحترام واهتمام".. شهادة ثالثة كتبها الممثل السياسي البريطاني في أبوظبي العقيد هيو بوستيد بعد زيارته إلى العين، في معرض حديثه عن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
ويضيف بوستيد: "كان لطيف الكلام دائما مع الجميع، وكان سخيّا جدّا بماله، ودهشت على الفور من كل ما عمله في بلدته العين وفي المنطقة لمنفعة الشعب؛ فقد شق الترع لزيادة المياه لري البساتين، وحفر الآبار، وشيد الحمامات الحديثة في الأفلاج. إن من يزور العين يلاحظ سعادة أهل المنطقة".
وعندما زار الباحث البريطاني كلارنس مان المنطقة الشرقية، وحضر مجالس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ألفّ كتابا عن إمارة أبوظبي بعنوان "أبوظبي.. ولادة مشيخة نفطية".
وتنبأت صفحات الكتاب عام ١٩٦٤ بأن يكون الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هو الحاكم القادم للإمارة؛ إذ قال مؤلفه: "إن الشيخ زايد بن سلطان هو الرجل القوي في منطقة العين وضواحيها، ومن هنا امتد نفوذه إلى بقاع الظفرة".
وتابع في حديثه عن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: "يلقى احترام رجال البدو، وقد كرَّس المال القليل الذي توفّر لديه للقيام بإصلاحات في منطقة البريمي، ويرجع إليه فضل بسط نفوذ أبوظبي على البادية، فضلا عن عدالته، وروحه الإصلاحية، وقدراته السياسية الفائقة، بأن يكون رجل البلاد المنتظر في إمارة أبوظبي".
حاكما لإمارة أبوظبي
عصر جديد دخلته إمارة أبوظبي مع اكتشاف النفط في أواخر خمسينيات القرن العشرين، فتطورت الأحوال في منطقة الخليج العربي وبصفة خاصة في الناحية الاقتصادية.
وبتصدير أبوظبي أول شحنة نفط عام 1962 باتت الأمور واضحة بأن البلد في أمسِّ الحاجة إلى رؤية جديدة للحكم لتتصدى لتلك التحديات، وتخطط تخطيطا ناجحا لاستغلال أمثل لعوائد النفط.
فوقع الاختيار على الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ليكون حاكما لإمارة أبوظبي في 6 أغسطس/آب 1966، لمواكبة المرحلة الجديدة من تاريخ أبوظبي.
ولم تمضِ أيام على تسلمه مقاليد الحكم حتى أعلن إقامة حكومة رسمية حديثة بالإدارات والدوائر، وأوكل إليها المهام اللازمة لتسيير أمور الدولة.
وفي عهده، تحققت إصلاحات واسعة في البلاد شملت تطوير ملفات التعليم والصحة وتخطيط المدن، وذلك بمشاركة أبناء الشعب والاستعانة بالكفاءات الأجنبية لدعم هذه المسيرة بالخبرات اللازمة.
رئيسا لدولة الإمارات العربية المتحدة
حين أعلنت بريطانيا عام 1968 نيتها سحب قواعدها من شرق السويس، أصبح لزاما على الإمارات أن تخطو خطوة تغير بها وجه التاريخ بالمنطقة.
فقام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مع أخيه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي، آنذاك، ببادرة كان لها عظيم الأثر فيما جاء بعدها من أحداث؛ فكانت اتفاقية السميح التي وقّعا عليها في الـ18 من فبراير/شباط عام 1968، التي فتحت الباب لخطوات كبيرة تلتها.
وآلت الأمور في النهاية إلى قيام اتحاد الإمارات باسم "دولة الإمارات العربية المتحدة".
وفي 2 ديسمبر/كانون الأول 1971، انتخب اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بإجماع حكام الإمارات أول رئيس للدولة الفتية لمدة 5 سنوات، وجَدَّد له المجلس الأعلى ثقته به بانتخابه عدة مرات.
فقد كان الرئيس والباني والوالد الحاني على أبناء أمته، وانتخب الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائبا له.
واتفق حكام الإمارات أعضاء المجلس الأعلى على وضع دستور اتحادي مؤقت من أجل حكم فعّال ونظام تُحدّد فيه سلطات المؤسسات الاتحادية في دولة تأخذ بأساليب الإدارة الحديثة، وتسعى في الوقت نفسه إلى المحافظة على الشكل التقليدي الذي يتصف بصفة الديمقراطية المباشرة.
وأخذ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان يتابع شؤون دولته الوليدة الآخذة في النمو، ووزّع عوائد الثروة النفطية على جميع القطاعات بالدولة، ولا سيما التي كانت بحاجة إلى التطوير.
كما اهتم بالاقتصاد والتعليم، والتراث والثقافة، وحافظ على سمعة دولته بين أخواتها العربيات وبين دول العالم بفضل نظرته المستقبلية وأفقه الواسع.
بل زادت سمعة الدولة بفضل الأمن والاستقرار اللذين حظيت بهما في عهده.