مي بنت محمد آل خليفة.. اعتزاز بالتراث البحريني وطموح بلا حدود
طموح الشيخة مي آل خليفة يمتد إلى العمل على وضع كل من المحرق والمنامة، ومناطق تلال عالي، وغيرها على قائمة التراث العالمي.
تعد الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار، والفائزة بجائزة مؤسسة سلطان العويس لهذا العام فئة الإنجاز الثقافي والعلمي، أحد أبرز الوجوه الثقافية في العالم العربي.
وعلى الرغم من منصبها الرسمي الذي نالته عام 2002، بتعيينها وكيلاً لوزارة الثقافة والإعلام، وأرشيفها الحافل بالمناصب المهمة، إلا أن مسيرتها في العمل العام هيأتها بشكل كبير لتكون أول وزيرة للثقافة في بلدان الخليج العربي.
واختارت مجلة "فوربس" الشيخة مي بنت محمد آل خليفة من بين أقوى 50 شخصية عربية، وحصدت جوائز عديدة، منها جائزة المرأة العربية المتميزة في مجال القيادة الإدارية، من مركز دراسات المرأة في باريس.
كما حصلت على وسام الفارس للفنون والآداب، الذي منحته إياها الجمهورية الفرنسية، وهي رتبة من بين 4 رتب وزارية للجمهورية الفرنسية، وهي من أهم الامتيازات الشرفية.
ولمعت منذ نهاية التسعينيات كوجه ثقافي نسائي بارز، بوصفها باحثة حاصلة على درجة الماجستير في التاريخ السياسي لمنطقة الخليج.
وللشيخة مي بنت محمد آل خليفة 7 مؤلفات، هي: "مع شيخ الأدب في البحرين"، و"الأسطورة والتاريخ الموازي"، و"سبزآباد ورجال الدولة البهية"، و"من سواد الكوفة إلى البحرين"، و"100 عام على التعليم النظامي في البحرين"، و"تشارلز بلجريف: السيرة والمذكرات"، و"عبدالله بن أحمد محارب لم يهدأ".
ورغم ما تعرضت له في المواقع التي شغلتها من انتقادات برلمانية، ومعارك مع سياسيين وإعلاميين ومراجع سياسية، إلا أنها مضت في طريقها كأنما آمنت بمقولة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين "هنالك من لا يعملون ويضيرهم أن يعمل الناس".
وبفضل عملها على إنجاز سياسات ثقافية تحمي المواقع التراثية، وتعاونها مع منظمة "اليونسكو"، أصبح لماضي البحرين صوت راسخ في المحافل الدولية، ومنحت مؤسسة الأغاخان للعمارة واحدة من جوائزها هذا العام لأحد مشروعات الحفاظ على مدينة المحرق، التي تحولت معها إلى "متحف مفتوح".
وتعي الشيخة مي آل خليفة جيداً معنى "الاستشارة"، وتعمل مع فريق من المستشارين الكبار، ففي مجال العمارة كان إلى جوارها أسماء مثل زها حديد، المعمارية العراقية الراحلة، والمعماري الياباني البارز تداو أندو.
ولا يكاد يخلو يوم في البحرين من حدث ثقافي، ومن وجود زائر من خارجها يعرض تجربته ليتفاعل معها الجمهور البحريني، الذي يملك تجربة ثقافية راسخة.
ويمتد طموح الشيخة مي آل خليفة إلى العمل على وضع كل من المحرق والمنامة، ومناطق تلال عالي، ومجمّع عوالي، وجزر حوار وسار وباربار، على قائمة التراث العالمي، لأنها تستحق هذه المكانة كشاهد على حضارة دلمون.
ويثق الناس في قدرتها على تحقيق هذا الطموح، والتغلب دائماً على أي عقبات بيروقراطية قد تواجهها، لأنها نجحت في السابق في إنجاز مشاريع كانت في عداد الأحلام، ومنها مشروع متحف موقع قلعة البحرين، مروراً بمسجد الخميس، وصولاً لمسرح البحرين الوطني.
ويأتي ذلك لإيمانهاً بـ"سياسة التشبيك الثقافي"، حيث تلجأ دائماً إلى آلية تفاوضية لإقناع البنوك والشركات الأهلية بتمويل بعض ما تطمح إلى إنجازه، طالما أن الهدف واحد، وهو إحداث التنمية الثقافية المستدامة.
تولت الشيخة مي آل خليفة أولاً قطاع الثقافة، ونجحت في الحصول على وزارة مستقلة، وأصبحت الآن تعمل من داخل هيئة متكاملة شعارها رفع رايات الخيال، والعمل بطموح لا سقف له.
ويشهد تاريخها في العمل داخل الوزارة على رعايتها لمبادرات غيرت وجه الثقافة البحرينية خلال السنوات الأخيرة، ومنها: "ربيع الثقافة"، و"تاء الشباب"، إلى جانب حماية البيوت التراثية وترميمها.
والواضح من خبراتها في العمل، أن التراث هو أولوية في عملها، فبعد تأسيس ورعاية المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي، تسعى لحماية الحرف التقليدية، والإصرار على ارتباطها بالثقافة.
فالصناعات الإبداعية يصعب النظر إليها دون اعتبارها مكونا من مكونات الثقافة، لتأكيد خصوصية البحرين وثقافتها وتاريخها، فأحد بيوت البحرين يحتضن اليوم فن الحياكة بخيط الذهب، ويتم الترويج لهذا الفن في الخارج، حيث ربط الممارسة الفنية بسياسات الحفاظ على الهوية.
ومن اللافت؛ أن هذا الفهم لا يعني الانقطاع والعجز عن بناء صلة مع حركة الإنتاج الثقافي في عملها، فقد تبنت الهيئة مشروع "نقل المعارف" في مجال الترجمة، وهو يتكامل مع مشروعات تتبناها بلدان عربية أخرى منها "كلمة" في دولة الإمارات العربية المتحدة، والمركز القومي للترجمة في مصر.
وتراهن الشيخة مي آل خليفة في المرحلة المقبلة، على إتمام مشروع "طريق اللؤلؤ"، ليكون الوجهة الثقافية للسياحة النوعية في بلادها، إذ يضم الموقع 17 مبنى في قلب النسيج الحضري لمدينة المحرق، وجزءاً من ساحل الطرف الجنوبي من جزيرة المحرق، حيث كانت تنطلق القوارب لمصائد المحار.