بعد 2500 عام.. إثبات صحة رواية هيرودوت عن القارب "باريس" المصري
نحو 70% من هيكل القارب المكتشف نجا ومحفوظ بشكل جيد في طمي النيل، حيث عُلقت ألواح السنط جنباً إلى جنب مع أضلاع القارب الطويلة.
بعد ما يقرب من مرور 2500 عام على وصف المؤرخ اليوناني هيرودوت للقوارب النهرية "غير العادية" التي يصنعها المصريون في مصر القديمة، عثر مجموعة من الباحثين الأثريين على حطام محفوظ في المياه المحيطة بمنطقة مدينة ثونيس-هرقليون الساحلية المصرية الغارقة، ليثبت صحة الرواية ويقطع حالة من الجدل دارت حول وجود تلك القوارب من الأساس.
وكان المؤرخ اليوناني هيرودوت جاء إلى مصر في القرن الخامس قبل الميلاد، وخصص عنها في كتابه "تاريخ هيرودوتس" 23 سطراً للحديث عن نوع من القوارب النهرية غير العادية التي كانت تصنع على النيل، ويطلق عليها المصريون اسم "باريس"، حسب صحيفة "الجارديان" البريطانية.
وتعد كتابة هيرودوت عن هذا النوع من القوارب هي أول تاريخ روائي كبير يتحدث عن وصف معقد لبناء أحد تلك القوارب في العالم القديم.
وفي عام 450 قبل الميلاد، شهد هيرودوت بناء القارب "باريس"، ولاحظ كيف أن عمال البناء كانوا يقطعون ألواحاً خشبية بطول 100 سم ويضعونها فوق بعضها كالطوب، ثم يمدون جذعاً فوق تلك القطع والألواح، ويكبسون التشققات من الداخل ببرديات.
وقال الباحث البريطاني داميان روبنسون، الباحث في مركز أوكسفورد للآثار البحرية، إن العلماء السابقين ارتكبوا بعض الأخطاء عند تفسير نص هيرودوت دون أدلة أثرية، فهذا النوع من السفن بالنسبة لهم، كان واحداً من تلك القطع الغامضة، إلا أن التنقيب عما أطلق عليه "السفينة 17"، كشف عن هيكل كبير على شكل هلال، يبلغ طوله نحو 28 متراً، وهو واحد من أوائل القوارب التجارية المصرية القديمة واسعة النطاق التي تم اكتشافها على الإطلاق.
وأضاف روبنسون: "وصف هيرودوت القوارب بأنها لها أضلاع داخلية طويلة، ولا أحد يعرف حقاً ما الذي يعنيه ذلك، فلم يسبق رؤية ذلك الهيكل من الناحية الأثرية من قبل، ثم اكتشفنا هذا الشكل من البناء على هذا القارب المكتشف، بالضبط مثلما قاله المؤرخ اليوناني".
ونجا نحو 70% من الهيكل المكتشف والذي حفظه طمي النيل بشكل جيد، حيث عُلقت ألواح السنط جنباً إلى جنب مع أضلاع طويلة، يبلغ طول بعضها نحو مترين ومثبتة بأوتاد قوية، فضلاً عن فتحتين دائريتين لمجداف التوجيه وأخرى للسارية بالقرب من مركز السفينة، بحسب روبنسون.
وأوضح روبنسون أن الألواح جُمعت معاً لتشكيل هيكل السفينة، التي كان يتم ربطها عادةً بفتحات الوصل والفواصل التي تثبت لوحاً واحداً إلى آخر، ليخرج لدينا شكلا فريدا من نوعه من البناء، لم يُر في أي مكان آخر.
وأطلق الباحث الأثري ألكساندر بيلوف، من مركز الدراسات المصرية في أكاديمية العلوم الروسية، هذا الشهر كتابه عن الحطام تحت عنوان "السفينة 17: باريس من مدينة ثونيس-هرقليون" (Ship 17: a Baris from Thonis-Heracleion) أشار فيه إلى أن العمارة البحرية للحطام قريبة للغاية من وصف هيرودوت، وكان من الممكن صنعها في حوض بناء السفن الذي زاره.
ووفقا لهذه النتائج التفصيلية، يعتقد الباحثون أن السفينة 17 قريبة للغاية من وصف هيرودوت بحيث يمكن بناؤها في حوض بناء السفن نفسه.