في ثاني أيام "الشارقة للسرد".. تجارب أدبية وتأملات في حال الكتابة
"ملتقى الشارقة للسرد" يواصل فعاليات دورته الـ 14 بمدينة الأقصر المصرية بمشاركة عدد كبير من المثقفين العرب
واصل ملتقى الشارقة للسرد في دورته الرابعة عشرة، والمقام حاليا في مدينة الأقصر المصرية، فعالياته لليوم الثاني على التوالي، حيث عقدت 4 جلسات على فترتين صباحية ومسائية، بحضور روائيين وقصاصين وأكاديميين من دول عربية مختلفة.
الجلسة الأولى جاءت تحت عنوان "المرجعيات الثقافية في القصة القصيرة"، أدارها الدكتور صالح الهويدي، وتحدث فيها: الدكتور حسين حمودة من مصر، والدكتورة عائشة الدرمكي من سلطنة عُمان، والدكتور يوسف الفهري من المغرب.
أشار الدكتور حسين حمودة في بداية حديثه إلى أن العنوان موضوع رحب، متعدد الأبعاد، ينفتح على الكثير من الجوانب التي تتصل بالعلاقة بين "المرجعي" و"الإبداعي"، "الثقافي" والفني"، ويطرح العديد من القضايا، ويثير الكثير من التساؤلات.
وتطرق حمودة إلى ما ينطوي عليه مفهوم "المرجعيات الثقافية"، وتساءل: هل هي المرجعيات الثقافية وحدها؟ أو هل يمكن لهذه المرجعيات الثقافية أن تتراءى مستقلة عن مرجعيات أخرى متاخمة لها؟ أم أن هذه المرجعيات تتصل، بالضرورة، بمجالات أخرى تجاوز حدود "الثقافة" إذا سلمنا بأن الثقافة ليست نبتا منقطع الصلة بالتربة التي نبتت فيها، أو بالسياقات الاجتماعية والسياسية والتاريخية المتنوعة من حولها؟
وطرح حمودة عدة تساؤلات، منها ما هو عن بعض الأبعاد التاريخية في العلاقة بين الأعمال القصصية ومرجعياتها الثقافية، وما يتصل بأن القصة القصيرة، في كل سياق ثقافي كتبت فيه "وسوف تكون القصة القصيرة العربية نماذج أساسية نتوقف عندها ونتحرك خلالها"، وما يتصل أيضا ببعد "الوحدة والتنوع" في النتاج القصصي الواحد.
الدكتور عائشة الدرمكي قدّمت دراسة بحثية شاملة في 6 نصوص قصصية قصيرة مختلفة، مشيرة إلى أن السرد القصصي القصير في عُمان لا يخرج في مرجعياته عن تلك المرجعيات التي اعتمدها السرد في الغالب ، فهو يستقي مادته المعرفية واللسانية من موسوعته المجتمعية الثقافية التي تعتمد على التمثيل الموسوعي الذي يؤسسه التخييل".
وأوضحت في سياق حديثها أن المرجعية التاريخية التي اعتمدها النص القصصي مرجعية ذات أبعاد ثقافية عامة من الناحية الرمزية وما تشير إليه حكايات ألف ليلة وليلة في خطابها العام؛ إذ اعتمد النص على المزج المرجعي لتشكيل بنية نصية قائمة على الاحتكام بقواعد التنظيم البنيوي لنصوص (ألف ليلة وليلة) بوصفها مرجعية تاريخية ثقافية، وهذا المزج اعتمد على: التركيب اللغوي، والتفاعل الدينامي بين المكونات الخطابية والسردية.
وقالت الدرمكي: "بناء على ما ذكرناه سابقا عبر مقولة تودروف من أن "الأدب مثلما الفلسفة، مثلما العلوم الإنسانية، هو فكر ومعرفة للعالم النفسي والاجتماعي الذي نسكنه.. والواقع الذي يطمح الأدب إلى فهمه هو بكل بساطة ... التجربة الإنسانية"، فإن الأدب في علاقته بالواقع بشكله التاريخي الممتد حاضرا وماضيا بل ومستقبلا، يتصلب التاريخ سواء أكان تاريخا عاما أو تاريخا خاصا، من حيث كونه مرجعا مهما من مراجع النص".
في توطئة تحليلية لورقة نقاشية كبيرة، أشار الدكتور يوسف فهري إلى أن تمظهرات المرجعية الثقافية في الكتابة السردية وفي القصة القصيرة ـ موضوع الملتقى ـ تصبح موضوع البحث الأركيوثقافي بالمفهوم النقدي الأدبي، موضحا "هاهنا نجد أنفسنا في مواجهة سؤال كبير يتعلق بمدى قدرة التحليل النقدي على كشف المرجعيات الثقافية الثاوية وراء الكلمات والصور والإيحاءات في الكتابات الإبداعية بالخصوص، ونخص بالذكر هنا، القصة والرواية".
وتناولت ورقة فهري مفهوم المرجعية القصصية، إذ يعتبر من المفاهيم المتداولة في سياقات ومجالات متعددة، للتعبير عن المعين الذي تستقى منه الأفكار والروافد التي ينطلق منها في تحديد التصورات والمفاهيم.. وهي كل ما يرجع إليه لتحديد المنطلقات، لكن استعمال المرجعية وإلى جانباها المرجع يجعل انتقاء أحدهما ينم عن وعي بالتمييز بينهما، وعدم خلط المرجعية بالمرجع، إذ أن المرجع مادي في حين أن المرجعية فكرية وترتبط بما هو مسطر من خصائص ومعايير وسمات للعمل والتطبيق.
وتحت عنوان "القصة القصيرة من الخيال إلى واقع متوهج"، كانت الجلسة الثانية التي أدارها الدكتور محمود الضبع، فيما تحدثت فيها الأستاذة بلسم محمد الشيباني من ليبيا، والدكتورة هويدا صالح من مصر، والدكتور محمد أبو الفضل بدران من مصر.
تمحورت ورقة الدكتورة الشيباني النقاشية حول نماذج من القصة الليبية، وأبرزت مظاهر توهج القصة القصيرة، ووضعته في محاور مختلفة، أولاً: من خلال المتن القصصيّ حيث يُظهر التنوع في موضوعات القصص اقترابا من الواقع بما يسهم في الكشف عن جوانب مختلفة من الحياة، ومن خلال أنماط السرد ووسائله، حيث يمثل التجريب في القصة القصيرة نمطا يشدّ القارئ، ويأسره نحو تقليب المعاني.
وتضمنت ورقة الدكتور هويدا صالح "بلاغة توظيف الرمز والأسطورة في القصة القصيرة"، وأكدت على أن دلالات الرمزية تشير إلى معنى ثاو وكامن في فراغات النص السردي الذي يشتغل عليه المبدع، لكي ينتج دلالة ثانية تتجاوز الدلالة الأولى التي أنتجها ذات الرمز في سياقه العام.
خصص الدكتور محمد أبو الفضل ورقته النقاشية للحديث عن السرد في الإمارات بنصوص مختارة، مشيرا إلى أن المتأمل في القصة الإماراتية يلمح عدة ملاحظات، "أن القصة الإماراتية ليست بمنأى عن السرد في الخليج وبقية الدول العربية لا سيما أن سماوات الإبداع مفتوحة ومتاحة للتأثير والتأثر بين المبدعين العرب"، موضحا "أدّى تداخل الأجناس الأدبية إلى شعرية القصة لدى بعض كتابها، ومسرحة أحداثها لدى البعض الآخر مما أوجد روحا أسلوبية جديدة في السرد".
في المحور الثالث الذي حمل عنوان "القصة القصيرة والشبكة العنكبوتية: تواصل أم انقطاع"، أداره الأستاذ عذاب الركابي، بمشاركة الدكتور فهد حسين، والدكتور محمد آيت المهيوب، والدكتور سعداء الدعاس.
الدكتور حسين أشار إلى أن التطور التكنولوجي أحدث ثورة معلوماتية كبرى ومستمرة، ولن تقف عند محطة معينة طالما البحث العلمي والتطور المعرفي يقفان جنبًا إلى جنب مع هذه الثورة التي كلما تمددت أفقيًا، وأفرزت وسائط اتصالية مصاحبة لها، تمكنت في التمدد رأسيًا لتدخل في علاقة مع العقل البشري، والذهنية التي تتعامل مع هذه الثورة المعلوماتية التي استطاعت أن تستقطب كل العلوم والفنون والمعارف لتكون حافظة لها"، فيما تحدثالدكتور المهيوب عن أنّ علاقة القصّة القصيرة بالوسائط الإعلاميّة علاقة قديمة تضرب بجذورها بعيدا في مرحلة نشأة القصّة القصيرة نفسها، فمنذ البدايات الأولى وفي القرن التاسع عشر خاصّة ارتبطت القصّة القصيرة بالصحافة التي وجدت فيها حضنا يؤويها وجسرا قريبا سهلا إلى القارئ، وفي المقابل مثّلت القصّة القصيرة مادّة محبّبة إلى رؤساء تحرير الجرائد.
وفي "شهادات أدبية" تزينت الجلسة الأخيرة بأربعة مشاركين هم: زهرة مرسل من الصومال، ولولوة المنصوري من الإمارات، وجلاء الطيري من مصر، وأحمد أبو خنيجر من مصر، وبإدارة مريم السعدي.
وتناولت الشهادات تجارب أدبية، وتأملات شخصية فى حال الكتابة، وسيرة العتبة الأولى التي من خلالها انطلقوا إلى عوالم السرد .