"أبو الطيران".. روسي ألهمه دافنشي وأبدع في أمريكا
سيكورسكي ابتكر سنة 1924 طائرة S-29-A المزودة بزوج من المحركات والقادرة على نقل 14 راكبا والمقدرة سرعتها بنحو 185 كلم في الساعة
كانت والدته تروي له عن عبقرية العالم الإيطالي ليوناردو دافنشي وإنجازاته، وأبرزها مخططات صناعة آلة للتحليق في السماء، وهو الأمر الذي كان الدافع وراء ظهور إيجور سيكورسكي الملقب بـ"أبو الطيران".
ولد إيجور سيكورسكي عام 1889، في كييف الروسية، ومنذ طفولته، تمكن سيكورسكي وهو في الثانية عشر من صناعة مجسم صغير لمروحية، وأثناء مطاردته لحلمه بالطيران، انتقل العالم الروسي بين معاهد باريس وسان بطرسبرج قبل أن يعود مجددا لمسقط رأسه سنة 1910.
وعمل سيكورسكي على صناعة طائرة معتمدا على مبدأ "التعلم من الأخطاء بالتجارب السابقة" ليتمكن بعد محاولات عدّة من ابتكار نموذج لطائرة زودت بمحرك ومراوح وتمكنت من بلوغ سرعة قصوى قدرت بنحو 40 كلم في الساعة أثناء تحليقها ليتحول بذلك لأحد مشاهير مسقط رأسه خاصة مع حضور حاكم المنطقة لمشاهدة تجاربه.
نقطة تحول
وابتسم الحظ لسيكورسكي في عام 1912 عقب التحاقه بمؤسسة Russo-Balt لصناعة السيارات والطائرات ليواصل على إثر ذلك أبحاثه ويتمكن رفقة عدد من زملائه من إنتاج طائرة مزودة بأربعة محركات أثارت إعجاب عدد كبير من المهندسين الروس.
وذاع صيت سيكورسكي حتى سمع القيصر الروسي نيقولا الثاني بتجربة هذه الطائرة فحلّ رفقة وفد من مستشاريه لمشاهدتها، وخلال التجارب، أعجب القيصر الروسي بالطائرة فأثنى على جهود سيكورسكي وشجّعه على مواصلة أبحاثه عقب منحه هدية قيمة تمثلت في ساعة ذهبية.
الهروب من روسيا
وعقب الثورة البلشفية واندلاع الحرب الأهلية الروسية، واجه سيكورسكي خطر البلشفيين حيث اتهمه رفاق فلاديمير لينين بالولاء للنظام القيصري ووصفوه بالشخصية البورجوازية. فضلا عن ذلك، اتجه الشيوعيون للسيطرة على المصانع وعمدوا لإلغاء الميزانية المخصصة لتجارب وأبحاث الطائرات مفضلين استغلال هذه الأموال لتطوير سلاح الخيّالة الذي استخدم كثيرا بالحرب الأهلية.
وتزامنا مع خسارته للتمويل المادي، تلقى سيكورسكي من أحد أصدقائه معلومات حول وجود اسمه بقائمة الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام لدى البلشفيين فاتجه على إثر ذلك للفرار من روسيا على جناح السرعة.
وبادئ الأمر، استقر لفترة وجيزة بباريس قبل أن يهاجر بشكل نهائي للولايات المتحدة الأمريكية.
إنجازات مذهلة
وصل سيكورسكي الأراضي الأمريكية، وعمل لفترة وجيزة كأستاذ رياضيات بإحدى المدارس قبل أن يباشر مجددا بمطاردة حلم الطيران عام 1923 عن طريق تأسيس مؤسسته الخاصة لصناعة الطائرات.
واجه العالم الروسي صعوبات عدّة وكاد أن يفلس لولا مساعدة مالية قيّمة تلقاها من صديقه الملحن الروسي سيرغي رخمانينوف (Sergei Rachmaninoff) الذي فرّ بدوره نحو الأراضي الأمريكية عقب الثورة البلشفية.
خلال بداياته الجديدة في الولايات المتحدة، ابتكر سيكورسكي سنة 1924 طائرة S-29-A المزودة بزوج من المحركات والقادرة على نقل نحو 14 راكبا والمقدرة سرعتها بنحو 185 كلم في الساعة.
وبعدها بنحو 10 سنوات، تمكن سيكورسكي من وضع طائرة Sikorsky S-42 البرمائية التي استخدمت من قبل مؤسسات الطيران الأمريكية للرحلات التجارية عبر المحيط الأطلسي.
ومستغلا هذا النجاح، اتجه إيجور سيكورسكي للعمل على المروحيات وتحقيق حلم طفولته وحلم دافنشي بصناعة طائرة تقلع بشكل عمودي فتمكن ما بين عامي 1939 و1940 من اختراع مروحية Vought-Sikorsky VS-300.
وبعدها بعامين فقط، نجح في ابتكار مروحية Sikorsky R-4 التي سرعان ما تحولت لأهم مروحيات الجيش الأمريكي وأكثرها استخداما.
إلى ذلك، تمكن إيجور سيكورسكي، الذي حصل على الجنسية الأمريكية، من ابتكار أكثر من 30 طائرة كانت نسبة كبيرة منها من الطائرات العمودية.
وعام 1957، صنع هذا العالم الروسي الأصل طائرة Sikorsky H-34 عقب طلب تلقاه من البيت الأبيض لصناعة طائرة عمودية يستخدمها الرئيس دوايت أيزنهاور في تنقلاته.
وفارق إيجور سيكورسكي الحياة يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 1972 بمنطقة إيستون (Easton) بولاية كونيتيكت (Connecticut) عن عمر ناهز 82 سنة بعيدا عن مسقط رأسه بكييف التي لطالما حلم بالعودة إليها ثانية.
aXA6IDE4LjExOS4yMTMuMzYg جزيرة ام اند امز