الموزعون الصامتون لكورونا.. خطر يهدد العالم بـ"شبح الإغلاق"
يقف شخصا ممسكا بمسدس كشف الحرارة لاكتشاف من تزيد حرارته على المعدلات الطبيعية.. مشهد معتاد في أماكن كثيرة لمحاصرة فيروس كورونا المستجد.
ومع التأكيد على أهمية مثل هذه الإجراءات الوقائية، إلا أنها تمثل جزءا بسيطا جدا من حل المشكلة، لأن الجزء الأكبر والأخطر يتمثل فيمن يطلق عليهم "الموزعون الصامتون" للفيروس، والذين ينقسمون لفئتين، فئة تنشر الفيروس قبل أن تعاني من أعراضه، لكن هذه الأعراض تظهر عليهم لاحقا، وفئة لا تظهر عليها الأعراض إطلاقا، وتظل مستمرة في توزيع الفيروس على المجتمع.
والفئة الأولى يتم لاحقا تتبع المخالطين لها بعد أن تظهر عليهم الأعراض، ويتم تشخيص الإصابة باستخدام المسحات، والتي تعرف باسم اختبار "بي سي آر"، أما الفئة الثانية فيتم اكتشافها بالصدفة، سواء عن طريق اختبارات تنفذها بعض الأنظمة الصحية في الشارع، أو أن يكون الشخص ينتمي لمؤسسة تطمئن باستمرار على موظفيها عبر إجراء تلك المسحات.
ورغم التحذير مبكرا من خطورة "الموزعين الصامتين" للفيروس، بالإشارة إلى وقائع تاريخية من أوبئة سابقة، ووقائع من الوباء الحالي، إلا أن خطورة هذه الفئة من المصابين بدأت تظهر بشكل واضح بعد أن كانت سببا في نقل العدوى إلى عدد من المشاهير.
ومنذ بداية الوباء تحدث الخبراء عن الطاهية الأيرلندية "ماري لون" التي كانت تعمل في نيويورك في بداية القرن الماضي، وكانت تتنقل من منزل إلى آخر، وتسببت في إصابة الناس بـ(التيفوئيد)، وتوفي على الأقل 3 أشخاص، وربما أكثر من ذلك، ولكن لم يظهر عليها أي أعراض، وتأكد في النهاية أنها الموزعة الصامته للمرض، حتى إن الصحافة أطلقت على الحالات المصابة (المصابون بتيفوئيد ماري)، وأبقت السلطات هذه السيدة في الحبس لمدة 23 عاما حتى وفاتها عام 1938.
وفي الوباء الحالي وثق الباحثون أكثر من واقعة، منها تلك التي حدثت في كنيسة بسنغافورة، حيث اجتمع الناس في الكنيسة يوم 19 يناير/ كانون الثاني الماضي مع زوجين كلاهما يبلغان من العمر 56 عامًا، وقد وصلا للتو من الصين، ولم يظهر على الزوجين أي أعراض، لكنهما تسببا في نقل الفيروس إلى 3 أشخاص، قبل أن تبدأ أعراض المرض في الظهور على الزوجة يوم 22 يناير/ كانون الثاني، ثم الزوج يوم 24 من نفس الشهر.
وأثناء فترات الإغلاق التي نفذتها أغلب دول العالم، لم تظهر خطورة هذه الفئة، ولكن مع بدء تخفيف إجراءات الإغلاق وعودة وسائل المواصلات العامة وإقامة الحفلات والمهرجانات والمناسبات الاجتماعية، تسبب هؤلاء الموزعون الصامتون في العديد من حالات الإصابة، وارتبطت هذه الإصابات بأسماء مشاهير، مما أثار تساؤلات حول إمكانية العودة مجددا للإغلاق تجنبا لأخطارهم.
وفي مصر على سبيل المثال، انتقل الفيروس إلى اللاعب المصري محمد صلاح، من أحد الموزعين الصامتين، أثناء حضوره حفل زفاف شقيقه، وتكرر نفس الأمر في مهرجان الجونة السينمائي، حيث أصيب عدد كبير من نجوم الفن ممن شاركوا في فعاليات المهرجان مثل الفنانات بسمة وميس حمدان وسلمى أبوضيف وسارة عبدالرحمن وزينب غريب، والفنان آسر ياسين.
وبعد الإعلان عن هذه الإصابات تعالت بعض الأصوات منادية بعودة الإغلاق مجددا، وقال أصحاب هذه الدعوات إن الأفضل هو ألا نضع "الوقود بجوار النار"، ولكن خرجت أصوات أخرى متسائلة: "إذا نفذنا ذلك، فإلى متى سيستمر الإغلاق".
ولا تبدو الحكومات متحمسة لخيار الإغلاق لتجاوز الآثار الاقتصادية السلبية التي سببها الإغلاق الأول، ويصبح الرهان إذن على وعي المواطن والتزامه بالإجراءات الوقائية التي تضمن إلى حد بعيد اتقاء شر الموزعين الصامتين للفيروس.
ويقول الدكتور محمد عبدالعاطي، استاذ الفيروسات بجامعة أسيوط (جنوب مصر) لـ"العين الإخبارية": "الإغلاق هو الطريق السهل للتعامل مع المشكلة، ولكن هذا الطريق تكلفته مرتفعة، وسيتحمل فاتورتها المواطن، والحل الذي يضمن قدرا من التوازن بين مراعاة الأبعاد الاقتصادية والسيطرة على المشكلة، هو الالتزام بالإجراءات الوقائية".
ويضيف: "حالات الإصابة في مهرجان الجونة أو من حفل زفاف شقيق النجم المصري محمد صلاح، هي التي تم الإعلان عنها، لأن أصحابها من المشاهير، ولكن من المؤكد وجود عشرات الحالات الأخرى، التي لم يتم الإعلان عنها، والسبب الواضح في رأيي الذي كشفت عنه الصور المتداولة لكلتا المناسبتين، هو أنه لم يكن هناك أي التزام بالإجراءات الوقائية".
وتضمن الإجراءات الوقائية مثل ارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي إلى حد بعيد اتقاء العدوى التي يمكن أن ينقلها الموزعون الصامتون إلى الآخرين عن طريق التحدث معهم أو عن طريق الأنفاس حتى إذا تواجدوا بالقرب منهم.
ويعزو عبدالعاطي ذلك إلى أن الفيروس يتكاثر في الجهاز التنفسي العلوي، ومن ثم فإنه من المحتمل أن ينتقل مع كل زفير، ويمكن لأي شخص قريب بما فيه الكفاية التقاطه بسهولة، لاسيما إذا كان المكان مغلقا.
aXA6IDMuMTUuMjM5LjAg جزيرة ام اند امز