"سرت خط أحمر".. لماذا خصها السيسي في تحذيراته؟
الرئيس المصري أكد: "حديثنا عن خط سرت-الجفرة كخط أحمر هو دعوة للسلام ونبذ العنف في ليبيا.. لن نسمح باقتراب المليشيات من بلادنا"
"لن نسمح بتجاوز الصراع لخط سرت".. "سرت والجفرة بالنسبة لأمن مصر خط أحمر لن نسمح بالمساس به"، تحذيرات شديدة اللهجة أطلقها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، للمرة الثانية، فماذا تعني تلك المناطق لمصر وليبيا والمعتدي التركي؟
تصريحات جديدة تتعلق بخط سرت-الجفرة أكد عليها الرئيس المصري خلال لقائه صباح الخميس بمشايخ وأعيان القبائل الليبية الممثلة لأطياف الشعب الليبي بكافة ربوع البلاد، تحت شعار "مصر وليبيا شعب واحد.. مصير واحد".
وقبلها بأكثر من شهر قال الرئيس المصري على هامش زيارته للمنطقة الغربية العسكرية، بحضور قادة الجيش المصري، أن الدول لا تستقر مع وجود مليشيات مسلحة.
وأضاف "يخُطئ من يعتقد أو يظن أن الحُلم ضعف ويخطئ من يعتقد أو يظن أن الصبر تردد أو ضعف".
وفي لقائه بشيوخ وأعيان ليبيا قال السيسي: "حديثنا عن خط سرت-الجفرة كخط أحمر هو دعوة للسلام ونبذ العنف في ليبيا.. لن نسمح باقتراب المليشيات من بلادنا والمرحلة تقتضي توقف القتال عند خط سرت–الجفرة".
الأهمية الاستراتيجية لسرت
بالعودة إلى سرت فإن سيطرة الجيش الليبي مطلع العام الجاري على مدينة سرت كانت خطوة مهمة لقائده المشير خليفة حفتر نحو تطهير البلاد من الإرهابيين.
ولمدينة سرت دلالة رمزية واستراتيجية، لكونها كانت معقلاً لتنظيم داعش الإرهابي في شمال أفريقيا.
المدينة تكتسب أهميتها من موقعها الجغرافي، فهي أكثر المدن الليبية امتدادا على الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط، وبداخلها العديد من المنشآت الاستراتيجية، مثل مطار القرضابية الدولي، وميناء سرت التجاري، كما تضم المدينة أيضا قاعدة جوية رئيسية في القرضابي، ويعد المطار والميناء من أهم المنافذ الرئيسية في ليبيا على العالم.
وبالسيطرة على المدينة الساحلية تمكن الجيش الوطني الليبي، من قطع الطريق على مليشيات حكومة السراج للوصول إلى حقول النفط الرئيسية في البلاد، إذ تعد سرت البوابة إلى حقول النفط في البريقة ورأس لانوف والسدرة، لتكون السيطرة على سرت نقطة انطلاق نحو تحرير كامل ليبيا من قبضة المليشيات الإرهابية.
أردوغان وسرت
وقال العميد الركن شرف الدين العلواني، الخبير العسكري الليبي، إن أردوغان يسعى للسيطرة على مدينة سرت نظرا لأهميتها الاستراتيجية وموقعها على البحر المتوسط إضافة إلى امتلاكها قاعدتين هامتين جوية وبحرية.
وتابع العلوان لـ"العين الإخبارية" أن أهمية مدينة سرت العسكرية والاستراتيجية ترجع لخليج سرت الذي قد يقسم ليبيا نصفين، وكونها رأس مثلث الأقاليم الليبية الثلاث حيث تبعد عن الجنوب بطريق 280 كيلو متر إلى ودان ثم الجفرة بوابة الجنوب، ومثلهم تقريبا مع مصراتة غربا وطولا بوابة الهلال النفطي وإقليم برقة بمسافة 120كيلو متر فقط.
وأشار إلى أن السيطرة على سرت لأي من الطرفين تعني التحكم بمداخل الجنوب والشرق والسيطرة على النفط والغاز حقولا وتصديرا، لافتاً إلى أن سرت تعد بوابة الهلال النفطي في ليبيا ما يدفع الجميع للاستماتة عليها.
وحذر العلواني من أن تركيا قد تطور من المعركة بإنزال بحري بعد تهديد أردوغان باحتلال الهلال النفطي وسرت وأجدابيا.
وطالب الجيش الليبي باستنزاف العدو بالاستفادة من المساحة المفتوحة جويا بأكبر قدر ممكن، وحماية المحاور الجنوبية لمنع المليشيات من الالتفاف على القوات من جهة القداحية طريق النهر ابوهادي سرت.
الأهمية الاقتصادية
ومن جانبه يرى الخبير الاقتصادي الليبي عيسى رشوان أن مساعي تركيا لاحتلال خليج سرت بسبب أسباب اقتصادية صرفة، بغض النظر عن تصريحاته الأخيرة، ولكن لأهمية الخليج وموقعه المتميز ومقدرات الدولة الليبية فيه.
وتابع لـ"العين الإخبارية" أن سرت هي أهم مركز بحري في العالم لمبيض الأسماك، إضافة إلى امتلاكها أرض مستوية مسطحة صالحة للزراعة بمساحات شاسعة، وموقعها وسط و قلب الساحل الليبي تتحكم في الشرق و في الغرب الليبي، إضافة إلى أنها على أطرافها حوض سرت النفطي الكبير.
وأضاف المهندس عيسى رشوان، أن منطقة خليج سرت وما حولها تعتبر من أهم مصائد التونة في العالم خاصة نوع Bluefin Tuna بسبب دفئ مياه الخليج ما يدفع الأسماك من معظم بحار العالم تهاجر إليه لتحط فيه بيضها، بدخل سنوي يقارب 8 مليار دولار.
وأوضح أن سرت هي عاصمة حوض سرت الكبرى النفطي أحد أهم وأبرز الأحواض في ليبيا كلها، وتعمل به العديد من الشركات النفطية العالمية الكبرى، إضافة إلى وجود ثلاث مكامن غاز في البحر مقابل سرت مباشرة.
وأشار إلى أن القوى الدولية لن تسمح باندلاع حرب شرسة في هذه المنطقة لمنع وقوع خسائر فب إنتاج وتصدير النفط أو تأثر عملية صيد الأسماك كونها مصدر مهم للأمن الغذائي الأوروبي، خاصة أن كثير من السفن الأوروبية تأتي للاصطياد من أمام الشواطىء الليبية.
رمزية سرت
أما المحلل السياسي عبدالله الخفيفي فيرى أن سرت تمثل لأردوغان رمزية خاصة إلى جانب الأطماع الاقتصادية والعسكرية.
وتابع أن سرت هي أول مدينة يخسرها السراج في معركة الجيش الليبي وأن بقاء قوات الجيش الليبي فيها يكسر غرور تركيا والمليشيات، كما يفند مزاعم الإرهابيين حول انتصاراتها بالتقدم في المناطق التي قرر الجيش الليبي التراجع منها وفقا لالتزامات وتعهدات دولية.
وأشار الحقوقي الليبي إلى أن سرت كانت المعقل السابق لتنظيم داعش وكثير من المرتزقة القادمين من سوريا تدربوا أو قاتلوا فيها ما قد يرفع من روحهم المعنوية حال دخولها ما يجعلهم ينفذون أي مخطط تركي.
ونوه إلى أن أردوغان يسعى لمحو الأمجاد الليبية وتاريخهم المشرف بالانتصارات على الاحتلال الطلياني سابقا ويسعى للهجوم على القوات في نفس منطقة معركة القرضابية التاريخية التي انهزم فيها الطليان هزيمة ساحقة، لكي لا يبقى إلا الهزائم العثمانية.
وشدد على أن المجتمع الدولي والليبيين سيتصدون للعدوان التركي ولن يسمحوا له بالتمادي أكثر من ذلك خاصة أنه يهدد أمنهم القومي بالإرهابيين وأمنهم الاقتصادي ومصالحهم المختلفة.