20 مترا تتحدى غلاء المعيشة
العقليات تتبدل، لكن ليس من السهل دوماً معاكسة تيار المعايير الاجتماعية السائدة والنزعة المادية المهيمنة على المجتمع.
ازدادت أعداد الأمريكيين الذين يختارون العيش في منازل صغيرة تقل مساحتها عن 40 متراً مربعاً خلال الفترة الأخيرة، وذلك بسبب سعرها المتدني وبساطتها.
الميزة الكبرى لهذه المساكن هي انخفاض سعرها، إذ إنَّ سعر البيت الجديد الذي تقترب مساحته من 20 متراً مربعاً يبلغ 50 ألف دولار تقريباً، ويمكن تصميم الداخل بحسب الأذواق.
وباتت هذه المنازل التي يطلق عليها "تايني هاوسز" (أي البيوت الصغرى) محور برامج تلفزيونية عدّة حول الديكور والتزيين منذ 5 سنوات.
براندي جونز انتقلت مع زوجها وولديها قبل 8 أشهر إلى منزل من هذا النوع في ريدينج على بعد نحو 100 كيلومتر غرب فيلادلفيا.
وتقول براندي: "نواجه أزمة سكنية ونعاني من كثرة المباني التي تداعت بفعل الزمن، وخيار البيت المصغّر هذا أحدث فرقاً كبيراً وجعل غلاء المعيشة مقبولاً"، فعلى سبيل المثال، يكلّف منزل جديد في الولايات المتحدة 300 ألف دولار "على الأقلّ".
في أحيان كثيرة لا يكون العامل الاقتصادي كافياً وحده لاتخاذ قرار مثل هذا في بلد تبلغ مساحة المنازل الجديدة فيه بشكل وسطي 228 متراً مربعاً، وفق الأرقام الرسمية.
وخلال السنوات الـ40 الأخيرة، راجت "معايير الضخامة في أوساط الأمريكيين الذين باتوا يشيّدون منازل فائقة الكبر"، وفق ماركوس شتولتزفوس، المدير التجاري في مجموعة "تايني هومز ليبرايشن" الواقعة في ليولا على مقربة من ريدينج.
لكن مزيداً من الأشخاص باتوا يعون اليوم أن العيش بموارد أقلّ يعود بالنفع على نمط الحياة، بحسب شتولتزفوس.
ويقول سكوت بريير الذي انتقل منذ 4 أشهر مع زوجته إلى منزل مساحته 34 متراً مربعاً: "نحبّذ هذه المقاربة التبسيطية، ومن الجيد ألا يكون عندي مقتنيات كثيرة كالسابق".
ويضيف: "صحيح أن المساحات محدودة جدا، غير أن هذه المنازل عملية أكثر من الشقق التقليدية، والفارق الأكبر في نظري هو أنّه ما من حيّز يهدر فيها".
وينوي رولاند فيجويريدو ترك شقته في نيويورك هذا الصيف للانتقال إلى منزل صغير في أوريجن، وهو يقر: "نحاول أن نبسّط حياتنا ونتخلص من كل ما لا لزوم له".
صحيح أن العقليات باتت تتبّدل، لكن ليس من السهل دوماً معاكسة تيار المعايير الاجتماعية السائدة والنزعة المادية المهيمنة على المجتمع.
ويقرّ ماركوس شتولتزفوس بأنَّ هذه الظاهرة لا "تزال سلبية" في نظر كثيرين، وانتقد أصدقاء كثيرون سكوت على خياره هذا، مؤكدين له أنَّ ضيق المساحة سيزعجه في نهاية المطاف.
ويعزى هذا الميل التبسيطي إلى اعتبارات بيئية، بحسب ما يقول سكوت، موضحاً: "تخفضون بصمتكم الكربونية واستهلاك الكهرباء والمياه".
ورغم هذه المزايا كلها، فلم تغز بعد البيوت الصغرى أنحاء البلد كافة، وبحسب بعض التقديرات، يبلغ عدد هذه المنازل في الولايات المتحدة نحو 10 آلاف.
والعائق الأول لتنامي هذه الظاهرة هو نقص التمويل، فمن شبه المستحيل إيجاد قرض مناسب لاقتناء منازل من هذا النوع، إذ إنَّ المصارف تدرجها في خانة البيوت المتنقلة والكرفانات أكثر منه ضمن العقارات التقليدية، وهي تعرض لهذا النوع من المشاريع قروضاً مصغرة على المدى المتوسط (حتى 7 سنوات) بفوائد مرتفعة نسبيا.
والعائق الأبرز يكمن في التشريعات، فغالبية البلدان تحظر العيش طوال السنة في منازل متنقلة وتحدد مساحة دنيا للمساكن تتخطى 80 متراً مربعاً، وغالباً ما تكون نظرة المجتمع سلبيّة لهؤلاء الذين يقطنون منازل من هذا القبيل، وهم غالباً ما يكونون من معدومي الأحوال.
عدة ولايات تعتمد موقفاً تقدمياً من المنازل الصغيرة، لا سيما كولورادو ونيفادا وكارولاينا الجنوبية إلا أنَّ المناطق التي تضم أكبر عدد من السكان تجاهلت بشكل واسع هذه الظاهرة.
وبالنظر إلى منزل سكوت وميليسا مع تصميمه الداخلي المرهف والمغطس والواجهة الزجاجية والشاشة العملاقة، لا يمكن مقارنته بالكرفانات على الطريقة الأمريكية.
ويقول سكوت: "ثمة الكثير من الأفكار المسبقة. هم لم يروا الكثير منها فهي جديدة وهذه هي المشكلة".
وتبني "ليبيرايشن تايني هومز" منازل كذلك الذي يملكه سكوت أو براندي "مثل المنازل العادية" مع المواد نفسها على ما يوضح ماركوس شتولتزفوس الذي بنت شركته أكثر من 65 بيتاً منذ إطلاقها في عام 2015.
والمنازل الصغرى لا علاقة لها بالمنازل النقالة على ما تؤكد براندي جونز التي عاشت لعدة أشهر في منزل نقال قبل أن تنتقل إلى منزل "تايني هاوس"، مشددة على أن "الفرق شاسع".
وفي حين أن بعض المشاريع تسعى إلى توفير منازل من هذا القبيل إلى المشردين، تستقطب الحركة، خصوصاً الآن، أزواجاً يملكون القدرة على شراء منزل بسعر يفوق سعر المنزل النقال.
ومن أجل الالتفاف على الأطر التنظيمية القديمة يقيم الكثير من الذين اشتروا منازل صغرى من دون إذن من هيئة التخطيط المدني.
لكن بدأت تشكل "مجمعات" هنا وهناك على غرار "تايني إيستايتس" في إليزابيثتاون (بنسلفانيا) في موقع تخييم سابق، وهي تملك التراخيص الضرورية لاستقبال المنازل الصغرى النقالة.