أمامي نصف ساعة لكتابة هذا المقال، أمامك ست دقائق لقراءته، لكن ماذا عساني أكتب؟ ماذا عساك تقرأ؟ كن شريكي في صناعة المقال، (عن ترمب مثلا؟) ربما من زاوية محددة (إيماني المطلق بأنه سيحقق أهدافه)، لا أحد سيحب مقالا يؤكد على أن ترمب سيحقق أهدافه، ورغم ذلك أنا م
أمامي نصف ساعة لكتابة هذا المقال، أمامك ست دقائق لقراءته، لكن ماذا عساني أكتب؟ ماذا عساك تقرأ؟ كن شريكي في صناعة المقال، (عن ترمب مثلا؟) ربما من زاوية محددة (إيماني المطلق بأنه سيحقق أهدافه)، لا أحد سيحب مقالا يؤكد على أن ترمب سيحقق أهدافه، ورغم ذلك أنا مستمر بالإيمان؛ لأنه رجل اختار أن لا يعيش كالآخرين ولا يموت مثلهم (مجرد اسم في شهادة ميلاد، وشهادة وفاة)، فهو أحد القلائل الذين لم يرضوا عن شهادة ميلادهم، فاختاروا أن يكتبوا شهادة وفاتهم على جبين التاريخ.
إذن، سأكتب المقال عن طهران، أيضا هذا مقال سيكون قصيرا جدا عن مدينة سوف تمتلئ سماء بدخان، يتصاعد من وزارة الدفاع الإيرانية، والبرلمان، وشوارع ممتلئة بأنقاض بعض المباني الحيوية فيها، وأعلام ثورة خضراء جديدة، فليس من الجيد الكتابة عن مدينة ذات مصير مشؤوم قريب.
تصعب الكتابة عن مستقبل طهران، لذلك لعلني أجرب الكتابة عن سر سيحير العالم زمنا طويلا تحت عنوان «اختفاء خليفة داعش» بعد أن هرب بمليارات الدولارات، وهذا مقال آخر قصير؛ لأن العثور عليه حليق، وحيد، في الركن الشمال الروسي البارد مسألة وشاية من أصدقاء الحرب أعداء السلم.
سأحاول أن أكون واقعيا أكثر وأكتب عن قضية محلية، مثلا (يعني مثلا) أن تقرر الحكومة السعودية شطب سجلات، ومهمات شركة (سمة) المسؤولة عن (القائمة السوداء) وتعطيل قدرة مئات وربما ملايين السعوديين من إعادة ترتيب (أسواق الدين) الخاصة بهم، وحيازة سيارات بالأقساط، أو فرصة إعادة جدولة ديونهم مع بنوك، وهذا مقال آخر ليس ذا أهمية؛ لأن أقلاما كثيرة صبت شتما وألما كبيرين ولم تتم الاستجابة.
للأسف لم يعد السعودي مهتما للشأن المحلي، فأغلب السعوديين نصبوا من أنفسهم مواطنين لبلدان مجاورة (العراق، سورية)، واهمين أن لرأيهم قيمة في شأن محلي لدول اختارت أن تبيع أراضيها لم يحمها (كما قال الطويل: بشار الأسد)، متناسيا أن طوله لن يحمي سواد التاريخ من طلي وجهه، أو أنه سيجد مصيرا مختلفا عن مشنقة صدام.
أتفق معك أن المقترحات أعلاه «تغم» وتجلب الهم، لذلك دعنا نجلب لطافة تجسدها «نانسي عجرم»، ونتساءل كيف استطاعت لبنان توليد الإبداع، واللطف، والنعومة، رغم أنها أرض موجودة دوما على فوهة بندقية، حتى أنهم اختاروا أجمل اللهجات العربية، عندما عطلت الحرب قدرتهم على اختراع أي شيء آخر.
هذه مسألة شائكة، وسيكون مقالا معقدا جدا، حتى على الأقلام اللبنانية، لذلك سأعود بك إلى المربع الأول، عني، عن كاتب يحاول أن يكتب في نصف ساعة مقالا، تقرأه في ست دقائق، لكنه مثل بقية العالم ينتظر الخطوة، أو الكلمة القادمة لترمب، ودخان يتصاعد من طهران، وزيادة في عدد مقاعد جامعة الدول العربية، بعد أن أصبح واضحا أن اثنتين وعشرين دولة عربية فقط لا تليق بنا كأمة.
نقلا عن صحيفة عكاظ
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة