هل تساءل أحدنا يوماً ما: لماذا لم يُنزل الاستعمار قواته وعتاده في الجزيرة العربية بقوة كجهة غازية ومستعمرة كما حدث في باقي دول العالم؟
هل تساءل أحدنا يوماً ما: لماذا لم يُنزل الاستعمار قواته وعتاده في الجزيرة العربية بقوة كجهة غازية ومستعمرة كما حدث في باقي دول العالم، حيث كان انتداب وتمثيل عسكري رمزي واحتواء سكان المنطقة لتجنب الخسائر الجسيمة والحصول على أكبر كمية من الموارد. أما في الدول التي تجاور إسرائيل، وفي المغرب العربي والدول العربية، وفي قارة أفريقيا كان الاستعمار عن طريق حملات عسكرية وحروب عديدة تم خوضها ضد أهل تلك المناطق ليخرج الاستعمار منها بعد عقود طويلة من الزمن من النوافذ، ثم يعود لها مجدداً من الأبواب المشرعة ويستعمرها بسلاح التفوق الاقتصادي والمعرفي والتكنولوجي والتقني والصناعي ومجالات أخرى ترتبط بها؟
فقد كانت منظومة الاستعمار في غاية الدقة والدهاء، وبالرغم من كل المسوغات السياسية والاقتصادية فإنها امتزجت بدوافع دينية وأسطورة فرسان المعبد وحماة الديني المسيحي والمراقبين لامتداده القديم، وحماة الديانة اليهودية ضد العدو التاريخي، وهو الإسلام والسيطرة على العالم القديم، وخاصة فلسطين مهد سيدنا المسيح، ومن المتوقع خلال السنتين المقبلتين أن تسيطر قوى اليمين المتطرف الأوروبي على كبرى الدول في القارة العجوز.
وقريباً ستسقط حكومات مثل فرنسا وهولندا وألمانيا في يد الأحزاب اليمينية المتشددة، وتتهاوى منظومة الاتحاد الأوروبي، وسيطرد المسلمون من أوروبا عن طريق الضغط عليهم لهجر أسلوب حياتهم ويمنعون من ممارسة أبسط حقوهم الشخصية لتكون الهجرة خيارهم الوحيدو وحينها عالم جديد سيتشكل للمرة الثالثة خلال هذا العقد من الزمن.
ولم يقامر الاستعمار في ما مضى من النيل من الأراضي المقدسة في السعودية، بل سلط عليها سياط الخلافة الانكشارية الشعوبية، ونشر الأمراض والسموم البدنية والعقلية والجهل المعرفي وما يؤدي إليه في المجتمعات حتى تحولت العديد منها إلى مستنقعات تكرس الجهل، وتهلل لثقافة أن سبب العجز هو عقيدة وعقول وثقافة غير قادرة على مواكبة تقدم الحضارات.
ومن هذا المنطلق لا غرابة في محاولة زرع تطبيقات سياسية بحذافيرها وممارسات قد تعد في جزء من العالم ناجحة بنسب متراوحة، وفي جزء آخر تقود إلى ربيع كارثي في ظل غياب أساسيات وثقافة تلك الممارسات، والاستعمار الحديث مدرك لذلك، وقرر هذه المرة ضرب الوحدة الوطنية لتلك الدول وهو أمر كفيل بتخريب وهدم أي كيان سياسي من الداخل وتفريغ المضمون لمعني شعب واستنزاف ثروات المنطقة لتصبح ثروات الداخل مسخرة لتطوير الخارج، وخاصة بعد تكريس مفاهيم الدول القومية الحدودية وتغيير هوية المنطقة، حيث نجحوا في تأصيل الفرقة بين المسلمين أنفسهم وبين المسلمين وبقية العالم لتفرض عزلة إجبارية على الوطن العربي ككيان والأمة الإسلامية كوعاء أكبر للهوية الجامعة للأغلبية من سكان المنطقة وإقناع الكثير من العرب والمسلمين بأن باقي الديانات والأقليات دخيلة على المنطقة في لعبة قذرة أسقطت القناع عن الوجه الحقيقي للاستعمار الحديث، ومهدت لتقسم المنطقة بعد أن قسمت الإسلام لفرق ومذاهب متناحرة، وأصبح الشرق الأوسط على العموم والدول الإسلامية دولاً فاشلة روحياً.
إذاً نحن نتحدث عن معركة وعي تُشكل الهاجس الأكبر للتنوير العربي والمسلم، وهي المعركة التي يجب أن تكسب أولاً للفوز فيما بعد بالحرب الأكبر، سواء كانت اقتصادية أو عسكرية أو قيمية.. الخ. فالوعي ومرحلة الإدراك لما تم فعله بالأمة، وما هو قادم والتصرف بذكاء جماعي لصالح المنطقة العربية والأمة الإسلامية، هو السبيل لوقف الانهيار وتحقيق التكامل فيما بينهم والاقتناع بأن السبيل لوضع حد لهذا الانحدار هو قراءة التاريخ الاستعماري بطريقة علمية بعيدة عن العواطف، حتى نفهم أين هم ذاهبون بنا، وكيف نحدد مساراً خاصاً بيننا، وكيف يكون لنا صوت مؤثر في صناعة التاريخ المعاصر بدلاً من التفاخر بتاريخ لم نصنعه.
فكم منا يعرف أن حملات تخريب الوطن العربي والعالم الإسلامي قد تمت بتمويل من المسلمين أنفسهم دون أن يعلموا بذلك عندما بدأ اليهود في تأسيس بنوك وطنية في العالم الإسلامي في القرن الثامن عشر، وسحب الذهب والذي كان يمثل العملة كالدينار الذهبي في مصر واستبداله بعملات ورقية مقابل تسليم العملات الذهبية وهو الذهب، الذي مول العديد من المخططات ضد المنطقة وغيرها العديد من الأمثلة التي تبين كيف خدعت الشعوب المسلمة، ولكن الغريب أن بعض القيادات العربية والمسلمة لم تتعلم من التاريخ، ولها حسابات غير واقعيه يكذبها تاريخ متواتر من الويلات والنكسات.
نقلا عن صحيفة الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة