ماذا طلبت هذه الدول من قطر غير كف أذاها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ووقف الدعم المالي للجماعات الإرهابية التي تعيث فساداً في مصر والبحرين والسعودية، وتحاول إثارة القلاقل في الكويت، وعدم فتح الفضاء الإعلامي للأصوات الإرهابية، أو ليست هذه المطالب هي ال
قبل 525 عاماً وقف آخر أمراء الطوائف في الأندلس أبوعبدالله الصغير على تلة مطلة على غرناطة متأملاً وباكياً ضياع مملكته، فقالت له امه: “أبك كالنساء ملكاً لم تحافظ عليه كالرجال”.
يومذاك حاول هذا الأمير المطرود بإرادته من مملكته أن يستقوي على أشقائه المسلمين بالتحالف مع ملكي قشتالة وأراغون فرناندو وإيزابيلا ممنياً النفس بأن يشكل ذلك مصدر قوة له فيستطيع توحيد الأندلس تحت رايته، متناسياً التاريخ الطويل من الصراع مع قشتالة وأراغون، اللتين كان حاكماهما يعتبران استعادة الأندلس من السيطرة الإسلامية مهمة إلهية، وتنصير أهلها واجباً مقدساً.
للأسف، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، لكن مع فارق بالجغرافيا والعدو الذي يلجأ إليه شقيق مستقوياً به على بقية أهل بيته، ويبدو أن أبوعبدالله الصغير ولد من جديد على سواحل الخليج العربي، راضياً جعل دولته حصان طروادة للغازي الإيراني، والطامح التركي لاستعادة امبراطورية أبادتها لعبة تنازع السلطة في الحرملك العثماني.
هذه حال الإدارة القطرية مع محيطها العربي، بل مع العالم، فهي ارتضت لنفسها أن تكون ذاك الحصان الخشبي الذي يعج بالجنود الغزاة، أكان عبر قاعدة عسكرية تركية أو فتح أبواب الدوحة أمام الحرس الثوري والجماعات والأحزاب الإرهابية من كل صنف ولون، مأخوذة بوهم الانتصار في ما تفاخر أنه “ربيع عربي” كان لها السبق في إشعال نيرانه بمختلف أنحاء العالم العربي، ولم تسلم منه الدول التي تشاركها المسار والمصير، كما حدث في الكويت في بين عامي 2011 و2013 حين غذت جماعة “الإخوان” ومن لف لفهم بما سمي حينذاك زيفاً “مسيرات كرامة وطن”، أو “الحراك الشعبي” الذي قادته مجموعة من الفاسدين والمفسدين.
ماذا طلبت هذه الدول من قطر غير كف أذاها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ووقف الدعم المالي للجماعات الإرهابية التي تعيث فساداً في مصر والبحرين والسعودية، وتحاول إثارة القلاقل في الكويت، وعدم فتح الفضاء الإعلامي للأصوات الإرهابية، أو ليست هذه المطالب هي التي أقرت في المحافل الدولية كافة؟
أو كما فعلت ولا تزال تفعل في البحرين والمملكة العربية السعودية بتقديم الدعم المالي والإعلامي للجماعات الإرهابية المرتبطة بإيران، فيما كانت النشوة بتدمير سورية والعراق وليبيا ومصر قد أخذت منها كل مأخذ ما جعل تلك الإدارة تغرق في أوهام السيطرة على العالم العربي، وهي في الواقع تغرق أكثر في رمال السيطرة الإيرانية – التركية والأيديولوجية اليهودية المتحركة.
هذه الحقيقة لم ترها إدارة الدوحة التي جعلت من المطالب المحقة للدول الأربع، (السعودية والبحرين ومصر والامارات)، والمدعومة من الدول الكبرى، وغالبية العالم، قميص عثمان تلوح به محاولة إقناع الشعوب أن الباطل الذي تدافع عنه هو الحق.
هنا نسأل: ماذا طلبت هذه الدول من قطر غير كف أذاها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ووقف الدعم المالي للجماعات الإرهابية التي تعيث فساداً في مصر والبحرين والسعودية، وتحاول إثارة القلاقل في الكويت، وعدم فتح الفضاء الإعلامي للأصوات الإرهابية، أو ليست هذه المطالب هي التي أقرت في المحافل الدولية كافة، فلماذا لم تعتبر الدول الملتزمة بها إنها تمس بسيادتها، أم أن السيادة القطرية المنتهكة إيرانياً وتركياً و”إخوانياً” تختلف عن سيادة الدول الأخرى؟
ألم تثبت الأدلة التدخل القطري السلبي في مصر عبر دعم الجماعات الإرهابية في سيناء، وعصابات “الإخوان” التي ارتكبت وترتكب المجازر، يومياً، ضد المدنيين، وهل تعتقد قطر أن الصبر الخليجي الذي ووجهت به أفعالها في الماضي سيستمر إلى الأبد، أو لم تحسب أن الكيل له حدود وعندما يفيض لا يبقى للود أي مكان؟
ماذا تستفيد قطر من وضع نفسها في عمق فكي الكماشة الإيراني – التركي، أليست هي من ستدفع الثمن باهظاً حين يقدم الغازي الإيراني فاتورة مساندته لها، أم ستنتظر كي يخرج الجنود الأتراك من قاعدتهم ليلاً، حين تكون ثمالة الوهم قد سيطرت عليها، تماماً كما فعل الإغريق مع الطرواديين حين تركوهم يحتفلون بالحصان الخشبي وفي الليل البهيم خرجوا منه ليستولوا على مدينتهم؟
تحاول الإدارة القطرية الاستماتة في الدفاع عن قناة “الجزيرة” التي تعتبرها رأس حربتها في المواجهة، فيما باتت أضعف من حراس الأسواق، لذلك لم يعد إقفالها أو بقاؤها له أي معنى.
ما يجب أن تتمعن فيه الإدارة القطرية موقف الشعوب في الصومال وليبيا والعراق وسورية والبحرين والسعودية والكويت ومصر منها بعدما تلوثت أيديها في دماء تلك الشعوب، وجلبت لها الدمار والخراب، وحين تأزف ساعة الحساب نتمنى ألا تتكرر مقولة والدة أبوعبدالله الصغير بعد كل هذه القرون، فلا أحد في الخليج يريد أن يرى الإدارة القطرية تبكي كالنساء ملكاً لم تحافظ عليه كالرجال، بل الهدف أن يبقى “مجلس التعاون” الخليجي هذه المنظومة التي أثبتت مناعتها طوال 36 عاماً قوة موحدة، ليس فيه أمراء طوائف إنما أمراء وملوك تنمية وتقدم وازدهار وعلى قلب رجل واحد.
نقلا عن “السياسة” الكويتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة