إذا ما تطلعنا على الأوضاع في المنطقة، ودور الولايات المتحدة، فإننا نرى أن هناك بوادر تأزم شديد، ينم عن مواجهات محتملة بين عدة أطراف في المنطقة، يسود علاقاتها الريبة والشك من نوايا بعضهم البعض
يعتقد بعض منظّري العلاقات الدولية أن الدول تقع في مواجهات وحروب دون أن تمتلك إرادة أو نية الحرب، عبر ما يسمونه التصعيد المتدرج أو الحلزوني. والمقصود بهذا النوع من التصعيد، أن الدول عموماً تسعى إلى بقائها ولا تثق بنوايا الدول الأخرى.
وانعدام الثقة تنبع من الهوس الذي يتملك الدول على بقائها والدفاع عن سيادتها. وعلى هذا الأساس، تسعى الدول للحصول على أكبر قوة ممكنة للدفاع عن أمنها ونفوذها في إقليمها. كما أنها تسعى إلى تشكيل تحالفات إقليمية أو دولية لزيادة أمنها وردع أعدائها.
ولكن الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدول لتأمين نفسها، تشكل بالضرورة تهديداً للآخر، والذي يتوجس خيفة من زيادة قوة الدول المحيطة، ومن تشكيل تحالفات تضر بمصالحه. وهذا ما يطلق عليه في العلاقات الدولية، المعضلة الأمنية. أن حل التخوف الأمني لدولة ما، واتخاذ احتياطاتها الأمنية، يزيد من تخوف الدول الأخرى بسبب هذه الاحتياطات الأمنية.
وإذا ما تطلعنا على الأوضاع في المنطقة، ودور الولايات المتحدة، فإننا نرى أن هناك بوادر تأزم شديد، ينم عن مواجهات محتملة بين عدة أطراف في المنطقة، يسود علاقاتها الريبة والشك من نوايا بعضهم البعض.
ويشير تقرير أن الأحداث في شرقي سوريا، مثل الإطاحة بطائرة سورية دون طيار، وقد هددت روسيا باستهداف كافة طائرات التحالف المناهض للإرهاب، يصعد من احتمالات التصعيد غير المقصود، وخاصة أن شرقي سوريا أصبحت مزدحمة بالجماعات، والتي تحاول السيطرة على المنطقة، في توقع انهيار داعش ودولتها المزعومة.
إذا ما تطلعنا على الأوضاع في المنطقة، ودور الولايات المتحدة، فإننا نرى أن هناك بوادر تأزم شديد، ينم عن مواجهات محتملة بين عدة أطراف في المنطقة، يسود علاقاتها الريبة والشك من نوايا بعضهم البعض
والهجوم الصاروخي الذي شنته إيران في دير الزور كرد فعل على الهجوم في طهران من قبل تنظيم داعش - الذي فسر من قبل المراقبين على أنه طلقة إنذار لدول المنطقة على انكشافها للقوة الصاروخية الإيرانية- تشي عن سخونة الوضع في المنطقة. كما أن إعلان السعودية عن احتجاز مركب للحرس الثوري وثلاثة من طاقمه ملئ بالمتفجرات لتفجير منصات النفط السعودية، لا يسهم في الاستقرار أو بناء الثقة في المنطقة.
ويرى محمد بازي إن إدارة ترامب قد حسمت أمرها في اتخاذ جانب السعودية في الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط. وأن إدارة ترامب ترى في إيران مصدر القلاقل وزعزعة الاستقرار في المنطقة. وقد عزم الرئيس ترامب مع كبار معاونيه المتمرسين في حرب العراق، مثل جيم ماتيس وزير الدفاع، وأيتش آر مكماستر مستشار الأمن القومي، على وضع حد للتوسّع الإيراني في المنطقة.
وهنا تكمن أهمية الصراع على منطقة شرقي سوريا في الحسابات الجيوستراتيجية الأميركية. فإن سيطرة إيران على هذه المنطقة، والحديث لبازي، سيخلق هلالاً شيعياً يمتد من إيران شرقاً حتى لبنان غرباً. وعلى ما يبدو أن هناك صقور داخل مجلس الأمن القومي، يسعون للتصعيد ضد إيران، بل وتغيير النظام في طهران. وقد لوح وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، إلى ضرورة التغيير في إيران، عبر شهادته أمام الكونغرس.
وما يقلق المراقبين، ليس تقارب الفئات المتحاربة فحسب، ولكن انعدام التواصل بين الفرقاء. وفي هذه الحالة، فإن إساءة الحسابات تكون احتمالها مرجح. فانعدام وسيلة التواصل بين الأطراف المتصارعة يزيد من المعضلة الأمنية، كما أسلفنا، حيث يفسر أي تحرك على أنه عمل معادٍ للطرف الآخر.
ويعضد هذا الاحتمالات، ما قاله المستشار السياسي للقوات المركزية الأميركية، الذي يرى أن الأيام القادمة ستحمل معها صراعاً على السيطرة في بادية الشام بين قوات المعارضة السورية المدعومة من قبل الولايات المتحدة، وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، للسيطرة على المنطقة بعد سقوط دولة داعش، وإنشاء جسر يربط بين العراق والمناطق السنية في سوريا إلى المناطق العلوية في غربي سوريا.
ويشير المستشار إلى ضرورة اتباع استراتيجية أميركية واضحة، لوضع حد للتمدد الإيراني في المناطق السنية في بادية الشام. ولا يمكن اتباع سياسة دفاعية وحسب، حيث إن هذه السياسة ستشجع إيران لاتخاذ وضع هجومي، بإسناد ودعم روسي قوي، تستطيع أن تطرد القوات الموالية للولايات المتحدة.
ويؤكد دينيس روس، الذي لعب أدواراً عديدة في إدارات متعاقبة، إن الولايات المتحدة في طريق التصادم مع إيران في سوريا. وتسعى إيران إلى السيطرة على هذه المناطق، ما حدا بها إلى اختراق مناطق فض الاشتباك بين الولايات المتحدة وروسيا، حسب تفاهمات صيغت في السابق.
وبالإضافة إلى استهداف طائرة سورية في منطقة التّماس، فإن القوات الأميركية هاجمت قافلة من المليشيات الشيعية التابعة لإيران، بعد تجاهلها الإنذار بالتوقف.
ولا يبدو أن الأزمة القطرية آيلة إلى أي حلحلة في القريب العاجل، والرد القطري على متطلبات الدول المقاطعة زاد من تمترس الأطراف في مواقفها، بدلاً من تهيئة الأجواء للانفراج. ومع تزايد التدخلات الخارجية من قبل إيران وتركيا، بل وجود عسكري لكليهما، يؤجج من الأوضاع الحساسة في المنطقة.
والخلاصة أن كل المؤشرات موجهة نحو تصادم في المنطقة، وخاصة أن المؤسسات الدولية الهشة لا تستطيع تيسير العلاقات بين دول المنطقة والدول الكبرى، بسبب التعقيدات الجيوسياسية المتدثرة برداء الطائفية المقيتة.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة