الكارثة الاجتماعية تقترب.. الأزمة المعيشية تتفاقم في لبنان
وزير الصناعة اللبناني يعترف بأن نسبة الفقر في لبنان وصلت إلى 55%، بناء على تقديرات البنك الدولي
حذر الخبراء من حدوث كارثة اجتماعية في لبنان بسبب تتفاقم الأزمة المعيشية والاقتصادية في لبنان، واستمرار ارتفاع أسعار السلع ولا سيما المواد الغذائية منها إلى مستوى غير مسبوق مع الفوضى في صرف الدولار في السوق الموازية.
وبلغ سعر صرف الدولار في السوق الموازية نحو 3250 ليرة، على الرغم من أن المصرف المركزي لا يزال يحدده بـ1510 ليرات فقط.
وفيما كانت الأزمة قد بدأت تضرب لبنان منذ أشهر عدة فإن وطأتها تزايدت على اللبنانيين مع الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر/تشرين الأول، قبل أن يبدأ لبنان حربه مع وباء كورونا في فبراير/شباط الماضي، حيث عطلت الإجراءات المفروضة ما تبقى من أعمال ومؤسسات وتضاعفت نسبة المفصولين من العمال.
وقال وزير الصناعة عماد حب الله، الأربعاء، خلال إطلاق خطة وزارته للنهوض بالقطاع الصناعي إن نسبة الفقر في لبنان وصلت إلى 55% بناء على تقديرات البنك الدولي، وإننا نعاني بطالة وأزمة سيولة وعجزا في الميزان التجاري.
ولا تزال المصارف تفرض إجراءات تمنع بموجبها المودعين من سحب أموالهم بالدولار الأمريكي، في غياب أي خطة اقتصادية واضحة من الحكومة، التي مرّ على تشكيلها نحو 100 يوم.
وخير دليل على هذه الأزمة.. التحركات الشعبية التي خرقت إجراءات كورونا كان آخرها الثلاثاء، خلال جلسة البرلمان التشريعية، كما رفضت بعض المناطق على غرار مدينة طرابلس الفقيرة، في الشمال، الالتزام بها لعدم قدرة أهلها على البقاء في المنزل الذي سيمنعهم من الحصول على قوتهم اليومي.
وبعد شهر على التعبئة العامة أضيف مطلب مراقبة الأسعار إلى المطالب، التي انطلقت الانتفاضة الشعبية لأجلها في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتحت هذا المطلب قرّر ناشطون الأسبوع الماضي لقاء وزير الاقتصاد راوول نعمة، للمطالبة بأن تقوم الوزارة بدورها لحماية الفقراء الذين باتوا مهددين بخبزهم اليومي، لكن جواب الوزير الذي أكد من قبل أنه لن يسمح باحتكار السلع، كان بتقديم نصيحة باختيار المحلات التي تبيع بأسعار مقبولة لشراء علبة البيض مثلا، بدل شرائها من تلك التي تستغل المواطنين.
أزمة الخبز
وهذا الأمر استدعى ردود فعل رافضة وساخرة من الناشطين واللبنانيين، الذين اعتبروا أن دور الوزارة هو مراقبة الأسعار التي ترتفع بحجة ارتفاع سعر صرف الدولار، وليس المواطن.
فيما نصح وزير الزراعة عباس مرتضى اللبنانيين، طالبا منهم بأكل الدجاج بدل اللحوم لوفرتها في السوق اللبنانية.
وإضافة إلى كل ذلك أتت مطالبة الأفران برفع سعر ربطة الخبز المحدد بدولار واحد، وفق سعر صرف المصرف المركزي، ونصف دولار وفق سعر السوق، لتهدد أيضا لقمة عيش المواطنين.
وهو ما رفضته وزارة الاقتصاد، مع تأكيد الوزير نعمة على أنهم وعلى عكس ما يقوله أصحاب الأفران بأنهم باتوا يخسرون من إنتاجه مع ارتفاع سعر صرف الدولار، فهم يربحون نسبة 22%.
وفي محاولة منهم للالتفاف على قرار وزارة الاقتصاد، عمد أصحاب الأفران إلى رفع سعر ربطة الخبز على الموزعين، لتكون النتيجة رفع سعرها على المواطن، وهو ما لا يزال محور أخذ ورد بين الأفران ووزير الاقتصاد راوول نعمة، الذي يتمسك بقرار رفض رفع السعر.
وأكد الوزير الثلاثاء، خلال جولة مفاجئة قام بها على الأفران، "نحن في دولة قانون وسنقوم بكلّ ما يلزم لتصحيح الأمور".
وفيما بدا أن أصحاب الأفران يستغلون بدورهم أزمة ارتفاع صرف الدولار لاستغلال المواطنين، يقول عضو الاتحاد العمالي العام اللبناني، أنطون أنطون لـ"العين الإخبارية" أن معظم المواد التي لها علاقة بإنتاج الخبز لا ترتبط أسعارها بالدولار.
وتابع أنطون كما أن الأفران تشتري الطحين المدعوم من الدولة بسعر متدن، لتستفيد منه في منتوجات أخرى من الحلويات والكعك وغيرها، وتحدد سعرها بهامش ربح مرتفع، وبالتالي لا يحق للأفران رفع سعر الخبز.
ولفت إلى أن الاتحاد دخل على الخط، وهو لن يقبل بزيادة سعر ربطة الخبز، لا على المواطن الفقير الذي يكاد يستطيع تأمين لقمة عيش عائلته في ظل الأزمة المتفاقمة، ولا على الموزعين الذين يعتاشون بدورهم من هذا العمل، وبالتالي رفع سعر ربطة الخبز سينعكس سلبا عليهم أيضا.
كارثة اجتماعية
هذا الواقع الذي يعكس إرباكا واضحا في تعامل المسؤولين مع الأزمة من شأنه أن يزيد الأمر تعقيدا في المرحلة المقبلة، خاصة إذا بقيت الحكومة مستمرة في سياساتها التي تقتصر على وضع الخطط دون أي خطوات عملية، حسب ما يؤكد الخبراء، خاصة أن الوضع الاقتصادي يترافق مع فصل جماعي للموظفين وإقفال للمؤسسات.
وفي هذا الإطار، تحذر الخبيرة الاقتصادية فيوليت بلعة من كارثة اجتماعية، وتقول لـ"العين الإخبارية" "الوضع الاقتصادي سيتفاقم أكثر، وسعر صرف الدولار مرشحّ أيضا للارتفاع ما سينعكس أيضا على أسعار المواد الغذائية، إذا بقيت الحكومة مستمرة باتباع السياسة نفسها عبر وضع الخطط والنظريات".
ووصفت بلعة الوضع في لبنان بالـ"دراماتيكي"، وتؤكد أن خروج الاقتصاد من أزمته في حاجة إلى دعم وقرارات حاسمة لإعادة إطلاق عجلة الإنتاج الذي هو المفتاح الأساس لحل هذه الأزمة، لأنه يحافظ على الوظائف ويخلق أيضا فرص عمل جديدة.
من هنا تشدد بلعة على ضرورة أن تضع الحكومة خطة إصلاحية شاملة للعمل أولا على ملف الديون الخارجية للبنان، والمحافظة على الوظائف الحالية التي بات أصحابها أيصا مهددين بالصرف، وذلك عبر منح حوافز أو إعفاءات معينة للشركات، وثالثا والأهم المحافظة على سعر صرف الدولار وضبطه.
وكل ذلك يحتاج بحسب بلعة إلى "استقرار سياسي بشكل أساسي، وهو ما لا يبدو أنه يبشر بالخير حتى الآن، طالما أننا لا نزال في إطار المناكفات والكيدية السياسية، فيما لم تقم الحكومة بأي مبادرة جدية على الأرض".
وتؤكد كذلك أنه "على الحكومة أن تذهب إلى صندوق النقد للاستعانة به، وطلب برنامج إنقاذ مالي لضمان القيام بالإصلاحات، لأنه إذا بقي الاتكال على الطبقة السياسية الموجودة لن يتحقق شيء من الإصلاح كالعادة".
وما تحذر منه بلعة كان الاتحاد العمالي العام قد تحدث عنه أيضا قبل يومين، محذرا من أنه "لن تبقى ثروات ولا مصارف ولا أملاك منقولة وغير منقولة في منأى عن غضب الناس، واجتياحها الأخضر واليابس".
وحذّر الاتحاد من تجدد الثورة الاجتماعية قائلا "لا يسألن أحد بعد الخروج من نفق الوباء لماذا تخرج الناس إلى الشارع؟ في مشهد هو أقرب إلى الفوضى العارمة وبدايات لثورة اجتماعية".
وتابع الاتحاد "وآنذاك لا تفيد أي معالجات من نزول الناس إلى الشارع، وهذه المرة سيكون نزولا صارخا ويمتلك كل المشروعية، ولن يفيد وباء كورونا من منعه".
وكان الاتحاد أعلن في نهاية شهر مارس/آذار الماضي أن أكثر من 220 ألف موظف تأثّر بالأزمة الأخيرة، حيث فقد عدد كبير منهم وظيفته، بينما تم خصم جزء كبير من رواتب من لا يزالون يمارسون أعمالهم.