الإرهابي سليماني.. بطولات وهمية للتعتيم على دماء العراقيين
مقابلة "حصرية" بثها التلفزيون الإيراني مع قائد مليشيا "فيلق القدس" استعرض فيها بشكل مبالغ فيه "بطولاته" الوهمية ضد إسرائيل
مقابلة "حصرية" بثها التلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء، مع قاسم سليماني، قائد مليشيا "فيلق القدس"، جناح الحرس الثوري الإيراني الخارجي، استعرض فيها بشكل مبالغ فيه "بطولاته" الوهمية ضد إسرائيل في حرب 2006 بلبنان.
المتابع للشأن الإيراني سيدرك حتما أن رائحة غريبة تفوح من تفاصيل المقابلة وتوقيتها وسياقها المحلي والإقليمي، قبل أن تتأكد شكوكه بإعلان مليشيات الحرس الثوري الإيراني "إحباط" محاولة لاغتيال سليمان، لتكتمل بذلك أركان المشهد الدرامي، وتنكشف النوايا الحقيقية الرامية إلى تلميع صورة الرجل الأكثر راديكالية بالنظام الإيراني، والتعتيم على خبر وجوده في العاصمة العراقية بغداد، وإشرافه من سفارة بلاده على قمع المتظاهرين.
تلميع صورة السفاح
التلفزيون الرسمي الإيراني قدم المقابلة على أنها الأولى لسليماني، سعيا نحو اللعب على جميع مفردات الإثارة الإعلامية لاستقطاب الاهتمام، والترويج لشخصية لفظها الشعب الإيراني منذ عقود، ومحاولة الدفع بها نحو الأضواء من جديد، خاصة في ضوء تآكل صورة الحرس الثوري في عيون الإيرانيين، وتحميلهم إياه مسؤولية الخراب الحاصل إقليميا والأزمات الاقتصادية داخليا.
أطنب سليماني في الحديث عن "بطولاته" ضد إسرائيل في حرب 2006 بلبنان، وبدت المبالغة في استعراض الأشياء كأنها تمهد لأمر ما، بدا أن سيناريست المقابلة أراد العزف على واحدة من أكثر النقاط حساسية لدى الشعب الإيراني، وهي إسرائيل هذا العدو الذي يبني نظام الملالي على أساس معاركه معه أمجادا من ورق.
أما المرحلة الثانية، فكانت إعلان محاولة اغتيال السفاح الإيراني.. خطوة ذات تأثير نفسي يشمل إعدام أي فشل محتمل للمقابلة التلفزيونية في استدرار العطف الشعبي، وإعادة تشكيل صورة الرجل على أنه بطل قومي تصدى لإسرائيل في لبنان.
سوريا.. الاختبار الصعب للملالي
في ضوء تواتر الهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا، بدا أن الأمر بات محرجا بالنسبة لطهران واختبارا حقيقيا لشعاراتها الجوفاء حول مواجهة إسرائيل، ولصورة سليمان نفسه بحكم منصبه.
لكن ما بين الدعاية الكاذبة والبطولات الوهمية، تقف الأحداث على الأرض شاهدة على قلة حيلة طهران وسفاحها أمام الضربات الإسرائيلية في سوريا، وهي التي تقف صامتة عاجزة عن الرد الميداني، بل مستسلمة، ما خلف استياء شعبيا عارما وانتقادات واسعة تقول إن نظام الملالي عاجز عن مواجهة إسرائيل، فيما يصنع لنفسه طوقا من الأعداء بمحيطه الإقليمي.
انتقادات بلغت ذروتها وضربت سليماني في العمق، وذلك منذ مطلع العام الجاري بشكل أساسي حين بدأت إسرائيل بتكثيف ضرباتها لمواقع الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وخاضت ضدها بالتزامن مع ذلك حربا إعلامية كان من الواضح جدا أن هدفها إهانة المليشيات الإيرانية للرد عسكريا، واستفزاز حلف إيران "المقاومة المزعومة" بما فيه حزب الله اللبناني.
فحينها، تعمد الجيش الإسرائيلي إهانة حزب الله التابع للحرس الثوري الإيراني بتوجيه ضربات لمواقع إيران في سوريا من الأراضي اللبنانية الواقعة تحت سيطرة المليشيات الأولى التي لحقتها إهانة لا تنسى بتدمير أنفاقها من قبل إسرائيل دون أي رد.
بهذا تكتمل الصورة، وينكشف الموقف الضعيف الذي يقف فيه سليماني ومليشيات الحرس الثوري وأذنابه بالمنطقة، ما يفسر الحاجة الأكيدة لتلميع صورته، وتخليصها من الصدأ المتراكم عليها جراء تاريخ قريب مخضب بالإهانات والجرائم.
سليماني وغضب العراق.. أيادٍ آثمة
"البرومو" الترويجي لسليماني لا يهدف فقط لمحاولة إعادة قولبته في أعين الإيرانيين، وتصديره لهم على أنه "البطل القومي" فقط، وإنما للتعتيم على دوره الدموي في احتجاجات العراق، وقمع المتظاهرين من مقر سفارة بلاده في بغداد.
وفي تصريحات سابقة لـ"العين الإخبارية"، كشف السياسي العراقي مثال الآلوسي أن الإرهابي قاسم سليماني يشرف من سفارة بلاده في بغداد على عمليات قمع المتظاهرين.
وقال الآلوسي: "إن الإرهابي المطلوب دوليا قاسم سليماني ومستشارين أمنيين إيرانيين يشرفون من السفارة في بغداد على عمليات التصدي للمتظاهرين العراقيين السلميين"، ما يؤكد الدور القذر للرجل ومليشياته ونظامه في الدماء المنسابة باحتجاجات الجارة.
وبحسب الآلوسي، فإن سليماني وعصابته "يستعينون بخلايا خاصة للقتل والإرهاب تابعة لمليشيات عراقية هي جزء من الحرس الثوري الإيراني".
دور مفضوح يعلمه قسم واسع من العراقيين، ما يفسر الشعارات المرفوعة ضد طهران بالاحتجاجات، لكن بتأكده في خضم مظاهرات دامية كالتي تشهدها بغداد والعديد من المحافظات الأخرى منذ الثلاثاء، قد يفجر غضبا مماثلا في إيران المثقلة بالمظاهرات المتقطعة تحت قمع السلطات.
ولذلك فإن مقابلة سليماني ومحاولة اغتياله المزعومة إنما ترمي إلى تفنيد أي أخبار بشأن علاقته بقمع متظاهري العراق السلميين، والتعتيم على وجوده أصلا في بغداد، عبر جذب الاهتمام إلى "القيمة الوطنية والقومية" الكاذبة للرجل، بما يمكن من خلط الأمور على المتقبل، وجعله متعثرا أما سؤال واحد، وهو كيف لرجل مثله واجه العدو الإسرائيلي أن يقمع محتجين سلميين؟
هذا هو الهدف الثاني من المقابلة المطولة، حزمة من النصوص الدرامية سيئة الإخراج، حاولت التلميع والتعتيم دون جدوى، حيث خذلت العمل المفبرك حقائق الواقع الصارخة التي فندت جميع أقوال سليماني وحشرته بزاوية قاتمة من الذاكرة الجماعية للإيرانيين والعرب أيضا.
aXA6IDMuMTM3LjE1OS4xNyA= جزيرة ام اند امز