أوراق تتساقط.. 2020 يقطف رأس سليماني عند مطار بغداد
إحداثيات فرضتها بداية لافتة للعام 2020 في العراق، بإعلان مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، في ضربة أمريكية استهدفت موكبه بمحيط مطار العاصمة بغداد.
طائرة مسيرة أمريكية استهدفت الموكب الذي كان يضم أيضا نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، ما أسفر عن مقتلهما فورا، في حادثة طغت على مسار المستجدات التي شهدها عام متقلب بجميع المقاييس.
تفاصيل شكلت منعطفا في مسار الأحداث، وضربة قاصمة للمليشيات الإيرانية في العراق، ما جعل مراقبين يعتبرونها بمثابة الحدث الأبرز لعام 2020، ونقطة الارتكاز في تسلسل مجرياته، محليا وإقليميا وحتى دوليا.
إيران تتوعد
المكان: محيط مطار بغداد الدولي، والزمان فجر الجمعة 3 يناير/ كانون ثان الماضي.. سيارات تلتهمها النيران، وأشلاء آدمية متناثرة على الأرض، بالإضافة إلى عملات إيرانية وأخرى سورية ومسدسات ومستندات كانت بحوزة القتلى.
عدة أشخاص قضوا في الضربة التي أعلنت واشنطن مسؤوليتها عنها، بينهم نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، وقائد فيلق القدس الإيراني.
ولاحقا، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أن الرئيس دونالد ترامب أصدر الأمر بقتل سليماني، مشيرة إلى أنه "بناء على أمر الرئيس، اتّخذ الجيش إجراءات دفاعية حاسمة لحماية الطواقم الأمريكية في الخارج عقب قتله".
وأوضحت الوزارة في بيان حينها أن سليماني وفيلق القدس، مسؤولان عن مقتل مئات الجنود الأمريكيين.
كما أضافت أن سليماني كان يخطط، بشكل فعال، لتنفيذ هجمات ضد الدبلوماسيين والجنود الأمريكيين بالعراق ودول المنطقة.
وفي ردود أفعال فورية، تعالى الوعيد من إيران، حيث قال رئيسها حسن روحاني، في رسالة تعزية، إن شعبه وباقي الشعوب الحرة في المنطقة ستنتقم لسليماني.
كما توعد المرشد الإيراني علي خامنئي بـ"انتقام مؤلم"، زاعما أن عمل ونهج سليماني لن يتوقّف برحيله ولن يبلغ طريقاً مسدوداً، في إشارة إلى استمرار النهج الإرهابي لطهران وعدم ارتباطه بالأشخاص.
وتوعد خامنئي بـ"انتقام مؤلم سيكون في انتظار المجرمين"، قبل أن ينضم إليه زعيم مليشيا حزب الله في لبنان، حسن نصر الله، زاعما أن "القصاص العادل من قتلة سليماني مسؤولية كل المقاومين في العالم".
غضب استبطن عمق الضربة التي تلقاها النظام الإيراني بمقتل سليماني، أحد أبرز رجالاته وأذرعه في العراق والشرق الأوسط، فيما تقبل عراقيون خبر تصفية الإرهابي بفرح شابته مخاوف من انتقام مليشيات طهران، ومفاقمة التهديدات الأمنية في العراق.
فصائل "الكاتيوشا"
بعد يومين من مقتل سليماني، اجتمعت القوى النيابية الشيعية تحت قبة البرلمان العراقي في جلسة طارئة انتهت بالتصويت لصالح قرار يقضي بإخراج القوات الأجنبية من البلاد، وخصوا الأمريكي وقوات التحالف الدولي.
كما هاجمت صواريخ بالستية عابرة قاعدة عين الأسد غربي محافظة الأنبار التي تتواجد فيها القوات الأمريكية، دون أن تحدث أضرارا كبيرة تتناسب مع حجم وعيد المرشد.
وإضافة إلى نتائجها المحدودة، وجدت إيران نفسها -بسبب تلك الهجمات- أمام محنة دولية جديدة، خصوصا حين اعترض أحد تلك الصواريخ طائرة أوكرانية مدنية بعد دقائق على انطلاقها من مطار طهران، مما أسفر عن إسقاطها ومقتل جميع المسافرين على متنها.
وفي تلك الأثناء، برزت دعوات دولية وإقليمية لوقف التصعيد بين واشنطن وطهران خشية امتداد نيران المواجهة بين الاثنين واحتراق المنطقة برمتها.
أما داخليا، فشهد العراق حالة من الانقسام حيال الوضع، بين معسكر داعم لإيران، وبين آخر يعتبر أن ما حصل نتيجة حتمية لمن لا يؤمن بالخرائط وسيادة البلدان.
من جانبها، حشدت المليشيات المسلحة الموالية لإيران، وأعلنت الحرب على الوجود الأمريكي في العراق، لتتوالى سلسلة من الهجمات بصواريخ الكاتيوشا استهدفت معظمها مبنى السفارة الأمريكية في المنطقة الرئاسة المحصنة وسط بغداد، وأرتال التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
وعرفت تلك المليشيات فيما بعد بفصائل "الكاتيوشا"، التي تتألف من مجاميع مختلفة يجمعهم الولاء الإيراني، أبرزها كتائب حزب الله العراقية، ذراع طهران الطولى في بلاد الرافدين.
مجاميع موالية لطهران أحرجت العراق دولياً عبر هجماتها الصاروخية التي تستهدف مصالح واشنطن ومقار التحالف، رافضة التسليم بمنطق الدولة والاعتراف بسطوة القانون المؤسساتي، مما اضطر الولايات المتحدة إلى إشهار بطاقة إغلاق السفارة في بغداد وقطع العلاقات الدبلوماسية.
وأبو مهدي المهندس؛ هو جمال جعفر محمد علي آل إبراهيم (66 عاما)، بدأ من طهران تحت قيادة المجلس الإسلامي الأعلى في مطلع ثمانينات القرن الماضي.
غير أنه سرعان ما اختار الانفصال والذهاب باتجاه مباشر نحو جهاز المخابرات الإيرانية التي أوكلت إليه مهام استهداف مصالح الولايات المتحدة في منطقة الخليج، والتي كان أشهرها تفجير السفارة الأمريكية في الكويت عام 1983، في حادثة تشير أغلب الدلائل إلى تورطه فيها.
وعقب سقوط النظام العراقي في 2003، عمل المهندس منسقاً معتمداً من قبل طهران بين شتى فصائل المليشيات المسلحة داخل العراق، قبل أن يظهر، لأول مرة، أمام وسائل الإعلام عام 2014، بعد تشكيل ما يسمى بالحشد الشعبي إثر احتلال داعش لمدن شمالي العراق وغربه.
أما سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الإيراني، فكان منذ عام 1998، الرجل الأول المعتمد من قبل مرشد طهران في صنع وإنتاج أذرع مسلحة في منطقة الخليج والمتوسط بشكل عام، وأيضا المعني بعملية التنظيم والتمويل والتخطيط للعمليات العسكري.