التكامل الاستخباراتي والمجتمعي.. رهان الصومال لسد ثغرات الإرهاب

في هيران وشبيلي السفلى، يتكثف الصراع بين الدولة الصومالية والإرهاب، وتبدو معركة كسر الطوق أقرب لاختبار استراتيجي من مجرد مواجهة
ففي تصعيد عسكري يجسد ديناميكية الصراع المستمر بين الحكومة الصومالية وحركة الشباب الإرهابية، شهدت منطقة هيران وسط البلاد سلسلة تطورات ميدانية متسارعة.
تطورات تراوحت بين تقدم مفاجئ لـ"الشباب" في بعض المناطق، وهجمات استباقية مضادة نفذتها القوات الحكومية بالتعاون مع مجتمعات محلية مسلحة، في ما يبدو أنها بداية مرحلة جديدة من المواجهة، عنوانها: "كسر الطوق واستعادة السيطرة على الأرض".
وتتسارع عمليات الكر والفر بين القوات النظامية والوحدات المجتمعية من جهة، ومسلحي الحركة الإرهابية من جهة أخرى، في مناطق هيران وشبيلي السفلى، في مشهد يعكس صراعا مفتوحا على الجغرافيا والنفوذ.
وفي حين تُظهر حركة الشباب مرونة تكتيكية في التمدد داخل الفراغات الأمنية، تسعى الحكومة الصومالية، عبر ضربات استباقية وتكامل استخباراتي ومجتمعي، إلى تثبيت حضور الدولة وإعادة بسط السيطرة على المناطق الحيوية.
هجوم مباغت يعيد التموضع
وبحسب تقارير نقلتها وسائل إعلام صومالية محلية فإن حركة الشباب أظهرت قدرتها المتجددة فجر الأربعاء، على التحرك الميداني باجتياحها قرية بيرتا مودان الواقعة على مسافة 26 كلم من بلدة مكساس، أحد معاقل القوات الحكومية في هيران.
وسبق ذلك انسحاب لافت لمليشيات "ماكاويسلي"، ما أتاح للمجموعة المسلحة السيطرة على الموقع دون مقاومة كبيرة.
وفي تطور مواز، بحسب ذات المصادر استولى مسلحو الحركة على قريتي سبيد وأنول في شبيلي السفلى قرب العاصمة مقديشو، مستغلين فراغا أمنيا خلّفه انسحاب القوات الأوغندية التابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي لتقترب بذلك الحركة إلى مسافة لا تتجاوز 35 كيلومترا من العاصمة، وتسيطر على مراكز إدارية ومحلية ذات أهمية رمزية واقتصادية، من بينها سوق مدعوم من وكالة التنمية الأمريكية (USAID).
رد حكومي قوي
في المقابل، جاء رد الحكومة الفيدرالية الصومالية سريعا ومنسقا، حيث شنّت قوات الدفاع المجتمعية بالتعاون مع الجيش الوطني هجوما استباقيا، الخميس، على قاعدة لحركة الشباب بين مكساس ومنطقة وابكسو.
ووفقا لمصادر عسكرية تحدثت لوسائل إعلام محلية صومالية، أسفر الهجوم عن مقتل العشرات من مسلحي الحركة، وتدمير مركز قيادة رئيسي.
وقال أحد القادة العسكريين وفق المصادر إن "العملية استندت إلى معلومات استخباراتية دقيقة أفادت بأن مقاتلي الحركة كانوا يستعدون لهجوم وشيك، ما دفعنا لتنفيذ عملية خاطفة باغتت المتمردين وألحقت بهم خسائر فادحة".
وأكد المسؤول أن قواتهم تواصل مطاردة الفارين، في محاولة لتأمين المنطقة ومنع إعادة التموضع.
اجتثاث الإرهاب بالأرقام
وردا على تقارير إعلامية عن "تراجع" في جهود الحكومة الصومالية بمكافحة الإرهاب، نشرت وسائل إعلام رسمية مقالا للمتحدث باسم الرئاسة عبد الرحمن آدم، فنّد فيها هذه المزاعم بالأرقام والمعطيات.
وأكد آدم أن الحكومة أطلقت حملة وطنية شاملة متعددة المسارات سواء العسكرية أو الاستخباراتية أو الإعلامية ضد حركة الشباب، وهي الحملة التي تعد الأوسع في تاريخ البلاد الحديث.
وقال إنه حتى منتصف عام 2025، تم تنفيذ 1187 عملية عسكرية، أسفرت عن تحرير بلدات وقرى في سبع محافظات رئيسية، هي: هيران، شبيلي السفلى، شبيلي الوسطى، غلغدود، مدوغ، باي، وجوبا السفلى.
عمليات أدت- بحسب وزارة الدفاع الصومالية- إلى:
تحييد أكثر من 5500 عنصر مسلح.
إغلاق 800 حساب مصرفي متورط في تمويل الإرهاب، ما ساهم في خفض قدرات الجماعات المسلحة بنسبة تصل إلى 65%.
ويؤكد مراقبون أن هذا يعكس تحولا نوعيا في الأداء العسكري والأمني للدولة، ويثبت أن الحكومة الصومالية ما تزال تحتفظ بزمام المبادرة على أكثر من جبهة.
من يملك زمام المبادرة؟
ويرى محللون أفارقة أن ما يجري في هيران وشبيلي السفلى يسلط الضوء على تحديين متزامنين تواجههما الحكومة الصومالية:
الأول: قدرة حركة الشباب على استغلال الفجوات الأمنية والسياسية، والتحرك السريع في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية.
والثاني: الضغوط المتزايدة على الجيش الفيدرالي والحلفاء المحليين، الذين يطالبون بدعم لوجستي وعسكري متواصل، لضمان استمرار زخم الهجمات المضادة.
وفي ظل هذا السياق، يرى الباحث في الشأن الصومالي، عبدي علي،أن ميزان القوة سيكون مرهونا بقدرة الحكومة على الحفاظ على زخم العمليات، والاستجابة السريعة للتهديدات، وتفعيل التنسيق بين القوات الفيدرالية والمحلية، إلى جانب استعادة ثقة المجتمعات".
وفي حديث مع "العين الإخبارية"، قال إنه "على الرغم من أن الصراع لم يُحسم بعد، لكن المؤشرات تُظهر أن المرحلة القادمة ستكون الأكثر حسما في تحديد اتجاه بوصلة الاستقرار في الصومال".
وبالنسبة للمحل السياسي نفسه، فإن نجاح الصومال في مكافحة الإرهاب يتوقف على:
- استمرار الزخم العسكري.
- برامج إعادة إعمار.
- مصالحة محلية.
تكامل استخباراتي أوسع.
وإذا تمكنت الحكومة من الحفاظ على شراكتها مع المجتمعات المحلية، وتحقيق مكاسب ملموسة في تقديم الخدمات وبناء الثقة، فإن الصومال يمكن أن يشهد تحولا حقيقيا في توازن القوى ضد حركة الشباب"، هكذا يرى عبدي علي.
روشتة الانتصار الكامل
من جهته، يقول آدم جبريل، الباحث والمهتم بقضايا القرن الأفريقي، إنه "على الرغم من المكاسب التي حققتها الحكومة، لا يمكن إنكار أن حركة الشباب ما زالت تحتفظ بقدرات هجومية وتحركات تكتيكية في بعض المناطق".
وأضاف في حديثه مع "العين الإخبارية" أن "التطورات الأمنية الأخيرة لحركة الشباب في أطراف شبيلي السفلى وهيران وما صاحبها من فجوات أمنية، وانسحابات مفاجئة للقوات الإقليمية، خلقت بيئة خصبة لإعادة التموضع للتنظيم".
ولفت إلى أن "الصراع لا يزال مفتوحا، والسيطرة الكاملة على الأرض لم تُحسم بعد لصالح أي طرف".
ويرى جبريل، أن "الحسم لا يتحقق فقط بتفكيك معاقل الحركة، بل بملء الفراغ الذي تخلّفه، عبر إدارة مدنية فعالة، وخدمات عامة".
وأكد على أن "كسر شوكة الشباب ميدانيا يجب أن يترافق مع استعادة ثقة المواطنين بالدولة، وإلا ستظل الحركة قادرة على إعادة التمدد تحت عناوين أخرى، ما يضع الحكومة أمام مرحلة مفصلية إما أن تحول انتصاراتها العسكرية إلى بنية سلام دائم، أو أن تبقى عالقة في دوامة الكر والفر في معركتها مع الشباب."
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjA4IA== جزيرة ام اند امز