الرئيس السابق لاستخبارات الصومال يفتح الصندوق الأسود لقطر
مقال لرئيس الاستخبارات الصومالي السابق عبدالله سنبلوشي، كشف فيه مخططات قطر لضرب الاستقرار في بلاده والقرن الأفريقي
أمن متردٍ، فساد مستشرٍ، اقتصاد منهار، دولة فدرالية صومالية متنافرة، سياسة خارجية غير مركزة، مؤسسات وطنية مشلولة ، تهديدات واغتيالات ببصمة قطرية، تحالفات مشبوهة، وانتخابات قادمة غير مبشرة.
صورة قاتمة للمشهدين السياسي والاقتصادي، رسمها الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات والأمن الوطنية الصومالية (الاستخبارات)، عبدالله سنبلوشي، في مقال له اطلعت عليه "العين الإخبارية"، شرح فيه خارطة مبعثرة للوضع برمته في بلاده التي أصبحت أسيرة لنفوذ قطري يفاقمه فيروس يسير ببطء بين أبناء الشعب.
ماذا تعمل قطر في الصومال؟
سؤال نابع من سردية الأحداث التي حملتها طيات المقال الذي نشرته مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، وجاء فيه أن مشاكل الصومال تنبع إلى حد كبير من التحالف غير المقدس الذي صنعه رئيس البلاد عبدالله فرماجو مع قطر، والتأثير الخبيث الذي تمارسه هذه الدولة الخليجية على كل جانب من جوانب السياسة والدبلوماسية الصومالية.
نفوذٌ قطري يمتد، كما يشرح سنبلوشي الذي شغل أيضا سفير الصومال لدى تركيا والمملكة المتحدة، إلى رغبة الدوحة في شن حرب بالوكالة ضد القوى الإقليمية الأخرى، وهو ما ترجمه طلبها من فرماجو بخفض علاقة الصومال العميقة والاستراتيجية والتاريخية مع الدول الخليجية الأخرى ومصر.
خطوةٌ أكد الرجل أنها جعلت بلاده أكثر اعتمادًا على قطر، التي من المفارقات، فشلت في تحقيق المشاريع التي وعدت الصومال بها.
تقويض الدولة
عزفت الدوحة في الصومال على الوتر السياسي، في لعبة مزدوجة اعتادت ممارستها للوصول إلى دوائر السلطة وتطويقها وإغراقها بالمساعدات، قبل أن تستولي على القرار السيادي.
لعبةٌ سرد خيوطها رئيس الاستخبارات السابق، الذي كشف أن قطر وفرت الموارد المالية واللوجستية لفرض الموالين لفرماجو في أقاليم البلاد، وهو ما حصل حتى الآن في ولايتي جنوب غرب الصومال وغامدوغ، فضلا عن تقويض الضوابط والتوازنات السياسية في مقديشو.
وفي الجزئية الأخيرة، أوضح سنبلوشي أن فرماجو والدوحة، قاما بتهميش مجلس الشيوخ عبر الأموال القطرية الموجهة عبر فهد ياسين (الصحفي السابق في الجزيرة ورئيس الاستخبارات الحالي) أفسدت البرلمان.
وقال إنه "بعد التمويل القطري والإطاحة العنيفة برئيس البرلمان محمد الشيخ عثمان "جواري" ، أصبحت الغرفة أكثر من مجرد ختم مطاطي".
جهود مجتمعة لهذا الثنائي، يؤكد المقال الذي حمل عنوان "قطر في الصومال..صناعة الفوضى والتطرف"، أنها "عملت على إعادة تأكيد السيطرة الديكتاتورية على تحفيز المعارضة العنيفة، وزادت من تجنيد حركة الشباب في الوقت الذي مزق فيه فهد ياسين الثقة في الهياكل والاتفاقيات الناشئة".
مخلب قطر وصوماليلاند
في صوماليلاند أو أرض الصومال، لم تكن قطر بعيدة عن رسم المخططات لضرب استقرارها، في تدخل سافر فضحه عبدالله سنبلوشي، قائلا "إن الحملة الممولة من قطر لزعزعة استقرار وتدمير صوماليلاند بغيضة بشكل خاص".
وأضاف "لقد اعتبرت الإدارات السابقة ، بغض النظر عن الخلافات مع حكومة صوماليلاند ، الاستقرار والتعايش السلمي أمرا مقدسا. وبالنسبة للعديد من الصوماليين والمراقبين غير الصوماليين ، كانت صوماليلاند ملاذاً لضحايا العنف في أماكن أخرى في الصومال ونموذجا لما قد تصبح عليه الصومال".
ياسين والطامة الكبرى
"مأساة أكبر للشعب الصومالي خلّفها اعتماد رئيس البلاد المفرط على الدوحة".. هكذا وصفها رئيس جهاز الاستخبارات السابق، في حديثه عن دور قطر في تعيين فهد ياسين رئيسا لوكالة المخابرات والأمن الوطنية الصومالية.
في هذه الجزئية بقول سنبلوشي "بناء على اقتراح قطر ، قام فرماجو بتعيين سفينجالي ، فهد ياسين، رئيسا لـ (NISA) على الرغم من أن ياسين، الصحفي السابق في الجزيرة ، ليس لديه خلفية أمنية أو استخباراتية".
ويضيف "تحت الوصاية القطرية، قام ياسين بتفكيك الركائز الأساسية للوكالة ، واستبدل بشكل منهجي المحترفين وذوي الخبرة بالمتدربين الهواة"، مشيرا إلى أن هؤلاء عملوا بشكل فعال "كواجهة لعمليات المخابرات القطرية في القرن الأفريقي".
وهنا، يؤكد أن عمليات وكالة المخابرات والأمن الوطنية الصومالية، "لم تعد تركز على المعركة ضد حركة الشباب الإرهابية ، وبدلاً من ذلك فهي موجهة لإسكات المعارضة السياسية والأصوات الناقدة في المجتمع المدني".
ترهيب المعارضة
وامتدادا للوضع الأمني في الصومال، استكمل رئيس الاستخبارات السابق حديثه، موضحا كيف قوّض فرماجو قدرة القوات المسلحة "التي كانت قد خطت قبل عام 2017 خطوات لتصبح قوة مختصة وواسعة النطاق ومهنية ، للاضطلاع بدورها المسموح به قانونًا بالدفاع عن الشعب الصومالي والدولة وأن تكون حصنًا ضد مكائد وعنف حركة الشباب والجماعات المتطرفة المماثلة".
لكن بدلا من تلك المهام السابقة، تعمل القوات المسلحة الآن كقوة شبه عسكرية وامتداد لوكالة المخابرات والأمن الوطنية الصومالية NISA التابعة لفهد ياسين، وفق سنبلوشي.
لم يقف الأمر عند هذا الحد- بحسب المسؤول الأمني- بل بات المحور القطري الذي يمثله فرماجو وياسين، "يستخدم تلك القوات لمضايقة وترهيب المنافسين السياسيين، وينظر إليهم كأعداء في الدول الفيدرالية الأعضاء التي يفترض أنها غير متعاونة".
اغتيالات ببصمة قطرية
أكثر ما يعكر على الدوحة صفوها فيما يتعلق بأهدافها في الصومال هو وجود حكام أقاليم مناوئين يقطعون الطريق على مطامعها في الهيمنة على منطقة القرن الأفريقي، تكون نهايتهم في الغالب : الاغتيال.
وفي هذا الصدد، يقول رئيس الاستخبارات السابق، إن "العديد من الحوادث الإرهابية وحملة الاغتيالات المتزايدة الأخيرة والتي أسفرت عن مقتل حاكمين إقليميين - مودوغ ونوغال في منطقة بونتلاند بالصومال - عليها بصمات قطرية".
وهنا، استعرض سنبلوشي ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز، عن تسريب صوتي لمكالمة هاتفية أجراها السفير القطري في الصومال عام 2019 تؤكد تورطه المباشر في هجوم انتحاري وقع في مدينة بوساسو الساحلية.
فرماجو..تفاؤل أطاحته الأيام
كان الصوماليون وغيرهم، سواء في الداخل أو الخارج ، متفائلين عندما تم انتخاب محمد عبد الله فرماجو رئيسا للصومال في فبراير/شباط 2017، معتقدين أن الرجل صريح وحيوي وإصلاحي.
وهكذا اعتقد رئيس الاستخبارات السابق عبدالله سنبلوشي، قبل أن تتكشف له حقيقة الرجل، بعد 40 شهرا من الحكم، كانت كفيلة أن تظهر بأن التفاؤل الأولي كان في غير محله إن لم يكن ساذجًا.
يقول سنبلوشي "اليوم، الصومال في حالة أسوأ بكثير مما كانت عليه قبل تولي فرماجو الرئاسة، الأمن متردي؛ انهار الاقتصاد، الدول الفدرالية تنافرت، والسياسة الخارجية غير مركزة. بالإضافة إلى ذلك ، أصيبت المؤسسات الوطنية بالشلل ، في وقت يدمر فيه فيروس كورونا السكان ببطء. وأضف على ذلك. عاصمة في حالة إغلاق بسبب التهديدات الإرهابية المتزايدة".
الانتخابات وأمل الإطاحة
يتخوف رئيس الاستخبارات السابق، من إقدام سلطات فرماجو على تزوير الانتخابات القادمة المقرر إجراؤها هذا العام، لاسيما بعد نفور من كانوا حلفاء له في أحد الأيام من الخدمة.
ورغم أن الصوماليين عُرفوا، تاريخيا، باعتدالهم، إلا أن التواجد القطري ساهم في نشر التطرف داخل مجتمع البلد العربي الفقير، ما خلق ثغرات أمنية كان من البديهي أن تقود نحو الفوضى.
وفي هذا السياق، يقول المسؤول الأمني إن "الشعب الصومالي معتدل ويريد الأفضل. لكن لسوء الحظ ، يسعى فرماجو إلى أن يصبح سياد بري جديدًا ( الرئيس الأسبق الذي أطيح بحكمه عام 1991) وهذا ما لن يسمح به الصوماليون أبدًا ".
مستدركا بقلق " لكن أموال ونفوذ قطر جعلت الإمكانية تبدو مغرية وممكنة. تاريخياً ، فإن الصوماليون معتدلون إلى حد ما. ولكن قطر تسعى لأسباب أيديولوجية إلى تعزيز التطرف داخل المجتمع الصومالي".
مشهد قاتم ترسمه قطر وحلفاؤها في الصومال، يتخوف عبدالله سنبلوشي، أن يحكم على القرن الأفريقي بالفوضى لأجيال قادمة.
لكن أمله يبقى معلقا على الجماعات السياسية الصومالية في دفن خلافاتها والتعاون لإحباط طموحات الدوحة وفرماجو الخبيثة.