النزاع الصومالي الكيني.. بين السياسة والقضاء الدولي "1-2"
التحول في مسار الأزمة بدأ مع تحديد محكمة العدل موعدا لجلسات الاستماع ورغبة العديد من الأطراف التوسط للعودة لمسار الحلول السياسية
بعد 5 سنوات من الانتظار حددت محكمة العدل الدولية في 25 يونيو/حزيران 2019 موعداً لبدء جلسات الاستماع في النزاع على الحدود البحرية بين الصومال وكينيا، ففي 18 أغسطس/آب 2014 أودعت المحكمة الصومالية عريضة دعوى ضد كينيا بشأن النزاع على الحدود البحرية، ومنذ يوليو/تموز 2015 وحتى ديسمبر/كانون الأول 2018 تبادل الطرفان إيداع المذكرات لدى المحكمة، قبل أن تحدد أخيراً موعداً لعقد جلسات الاستماع العلنية في مقر المحكمة بمدينة لاهاي الهولندية.
وخلال السنوات الخمس اكتسب النزاع الحدودي بين البلدين الجارين الكثير من التعقيد، خاصة بعد دخول شركات النفط الأجنبية كطرف مؤثر في النزاع، وبعد إخفاق العديد من الوساطات الإقليمية لتسوية النزاع عبر توافق القيادة السياسية للبلدين.
فمنذ تزايد اهتمام شركات النفط الأجنبية بالتنقيب في المياه الإقليمية الصومالية، ومن بينها المنطقة المتنازع عليها مع كينيا في السنوات السبع الأخيرة، بدأت الحكومات الصومالية المتعاقبة في منح ملف تأمين سيادتها على كامل إقليمها البحري أهمية خاصة، باستخدام كافة الوسائل المتاحة وفي مقدمتها اللجوء للقضاء الدولي.
دوافع الموقفين الصومالي والكيني
ينطلق الموقف الصومالي من ثقة كاملة بسيادة الصومال على المنطقة المتنازع عليها مع كينيا من مياه المحيط الهندي، باعتبار أن الحدود البحرية لم تكن يوماً محل اتفاق بين البلدين، الأمر الذي دفع الصومال عام 2014 للتقدم بدعوى لمحكمة العدل الدولية تطالبها بتحديد المناطق البحرية التابعة لكل من الصومال وكينيا، بما في ذلك الحرف القاري الذي يتجاوز مسافة 200 ميل بحري من الساحل، استناداً إلى إعلاني قبول الولاية الجبرية للمحكمة الصادرين من الصومال في عام 1963 ومن كينيا في عام 1965، فضلاً عن اختصاص المحكمة بنظر هذا النوع من القضايا، بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي صدقت عليها البلدان عام 1989.
وعلى النقيض، لم تفضل كينيا إحالة النزاع منذ تفاقمه للقضاء الدولي، ذلك أن سيادة كينيا على هذه المنطقة تعد نتاجاً لممارسة متواترة بدأت مع استقلال البلدين في ستينيات القرن الماضي، وتعززت في ظل انهيار الدولة الصومالية في مطلع التسعينيات.
وتعتبر كينيا المنطقة المتنازعة عليها جزءاً من الإقليم البحري الكيني، على النحو الذي حدده الرئيس الكيني الأسبق دانييل أراب موي من جانب واحد عام 1979، وفي عام 2009 حاولت كينيا إكساب موقفها الشرعية الكاملة حين وقعت الحكومة الكينية مذكرة تفاهم مع الحكومة الصومالية الانتقالية بغرض تمديد الجرف القاري الكيني، إلا أن البرلمان الصومالي المؤقت آنذاك ألغى الاتفاقية في جلسته المنعقدة عام 2011، مؤكداً عدم أحقية مؤسسات الحكم الانتقالي بإعادة النظر في ترسيم الحدود البرية والبحرية للبلاد.
وبينما بادرت الصومال باللجوء لمحكمة العدل الدولية تطمح الحكومة الكينية للتوصل لحل سياسي، الأمر الذي أعلنت عنه مراراً على لسان سايروس أوجونا المتحدث باسم الحكومة الكينية، الذي أكد أن الحوار يظل الوسيلة المثلى لحل النزاع بين كينيا والصومال، مجدداً التزام بلاده بالمسار السلمي حتى الآن.
وتخشى كينيا أن يؤدي فوز الصومال بالقضية المتعلقة بالحدود البحرية إلى إثارة النزاع على الحدود البرية من جديد في منطقة شمال شرق كينيا، التي يقطنها المكون الصومالي، والتي شهدت ظهور حركات انفصالية مدعومة من مقديشيو، كذلك تخشى كينيا أن تسفر خسارتها للقضية المنظورة أمام محكمة العدل الدولية عن خسارتها كافة الحقوق في التنقيب في الجرف القاري، بما يعني اضطرارها للتوافق مع جارتيها الصومال وتنزانيا بشأن الاستغلال الاقتصادي لمنطقة الجرف القاري في المحيط الهندي، وقد شكل هذا الوضع قناعة لدى العديد من المتخصصين في كينيا بخطورة اللجوء لمحكمة العدل الدولية، وتفضيل الحلول السياسية القائمة على المفاوضات المباشرة مع الصومال.
مسار الأزمة المتصاعد
منذ الشهور الأولى لعام 2019 دخل النزاع على الحدود البحرية بين الصومال وكينيا طوراً جديداً، اكتسب فيه المزيد من التعقيد، فخلال مؤتمر لندن الاقتصادي الذي عقد في 7 فبراير/شباط الماضي قامت الحكومة الصومالية بطرح عطاءات للتنقيب عن النفط والغاز في 50 حقلاً بحرياً، تضمنت الحقوق الواقعة في المنطقة المتنازع عليها مع كينيا، الأمر الذي اعتبرته الخارجية الكينية "استيلاء غير مسبوق وغير قانوني على موارد كينيا"، مؤكدة أن كينيا "مستعدة للدفاع عن مواردها بأي ثمن"، قبل أن تتخذ السلطات الكينية في 17 فبراير/شباط 2019 قراراً بسحب لوكاس تومبو سفيرها في مقديشيو لإجراء مشاورات عاجلة مع قيادة البلاد، أعقبه مطالبة السفير الصومالي في نيروبي محمد نور ترسن بمغادرة البلاد.
وأصدرت مقديشيو أول ردود أفعالها في 19 فبراير/شباط 2019، حين نشرت الخارجية الصومالية بياناً اتهم بيان الخارجية الكينية بالابتعاد عن الحقيقة والواقعية، مؤكداً رفض الصومال المساس بالشعبين الصومالي والكيني، داعياً لتجنب إثارة الفتن، ومشيراً إلى المعاناة المشتركة من إرهاب حركة الشباب، وفي إجراء كيني مضاد أعلنت وزيرة الخارجية الكينية مونيكا جوما أن بلادها بصدد دراسة فرض عقوبات على الصومال حال عدم التراجع عن منح حقوق التنقيب لشركات أجنبية في مؤتمر لندن، داعية الحكومة الصومالية لتقديم توضيحات بشأن المستجدات في الخلاف الحدودي بين البلدين، والاعتذار عن الإجراءات الأحادية التي اتخذتها.
وفي محاولة إقليمية لتجاوز الأزمة اصطحب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الرئيس الصومالي محمد عبدالله محمد في زيارة مفاجئة إلى العاصمة الكينية نيروبي في 5 مارس/آذار 2019، من أجل عقد مفاوضات مباشرة مع الرئيس الكيني أوهورو كينيا تستهدف التطبيع الكامل للعلاقات الصومالية الكينية وإنهاء حالة القطيعة الدبلوماسية، وهي الزيارة التي لم تسفر عن نجاح كبير في تهدئة الأجواء المتوترة بين البلدين، ومع تصاعد الأزمة جدد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد التزامه ببذل الجهود لحل الأزمة في 2 يونيو/2019 في مقابلة صحفية، حين أعلن استعداده للتوسط من أجل إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الحكومتين الكينية والصومالية، معتبراً أن لتدهور العلاقات بين الصومال وكينيا آثاراً سلبية على جميع دول المنطقة.
وفي الوقت الذي تبادلت فيه الدولتان الجارتان الإجراءات التصعيدية جاء التحول في مسار الأزمة في 25 يونيو/2019، حين حددت محكمة العدل الدولية موعداً لبدء انعقاد جلسات الاستماع العلنية في القضية المعروضة أمام المحكمة للنزاع على الحدود البحرية بين الصومال وكينيا، وذلك في الفترة ما بين 9 إلى 13 سبتمبر المقبل.
وأمام الجدية التي أبدتها محكمة العدل الدولية في التعامل مع القضية رأت العديد من الأطراف الدولية ذات الاهتمام بمنطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا ضرورة التوسط للعودة لمسار الحلول السياسية مرة أخرى، ففي 27 يونيو/حزيران 2019 أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية تدخلها كوسيط لحل الأزمة، الناجمة عن النزاع على الحدود البحرية بين الصومال وكينيا.
وفي لقاء للسفير الأمريكي في نيروبي كايلي مكارتر مع قناة سيتزن الكينية، أعلن المسؤول الأمريكي اعتبار البلدين (كينيا والصومال) شريكين في الحرب ضد حركة الشباب الإرهابية، الأمر الذي يحتم على الولايات المتحدة التدخل بشكل مباشر لحل النزاع بينهما، حفاظاً على علاقات حسن الجوار في الإقليم، كما التقى السفير الأمريكي في مقديشيو دونالد ياماموتو وزيرة الخارجية الكينية وبحضور السفير الأمريكي في نيروبي كايل مكارتر، لبحث عدد من الملفات في مقدمتها النزاع الحدودي.
وتأتي التحركات الأمريكية المتسارعة في أعقاب الإعلان عن موعد عقد جلسات الاستماع في محكمة العدل الدولية، لتؤكد رغبة الولايات المتحدة في انتهاج مسار الحلول السياسية التي تسمح بقدر أكبر من المرونة والتوازن.
aXA6IDE4LjE4OC4xMTMuMTg5IA== جزيرة ام اند امز