في جنوب لبنان.. القوت يتحدى القصف
بمطعمه الصغير جنوب لبنان يحضر حسين مرتضى سندويشات لزبائن قلائل، فيما تحلق مسيّرة استطلاع إسرائيلية فوق بلدة كفركلا الحدودية شبه المقفرة.
يقول حسين مرتضى، البالغ 60 عاما، الذي غزا الشيب شعره ولحيته وهو يغلي الزيت قبل أن يُسقط فيه حبّات الفلافل داخل مطعمه الصغير "قبل أيام سقطت القذيفة على بُعد نحو 200 متر من هنا".
وأضاف أن "شظية طالت واجهة المحلّ وهنا في الحائط، وأنا اختبأت خلف الثلاجة".
تحت القصف
يسمع دوي القصف بوضوح في البلدة الواقعة بمنطقة محاطة بحقول الزيتون، هناك حيث غالبية الشوارع مقفرة بينما تبدو بعض الأحياء المواجهة للجليل أشبه بمدينة أشباح بعدما نزح سكانها عنها.
لكن حسين مرتضى مصمم على البقاء في بلدته والاستمرار بفتح مطعمه للفلافل أمام السيارات القليلة التي تمر بالمكان وبينها سيارات الإسعاف.
ويؤكد لوكالة فرانس برس: "ها نحن هنا تحت القصف، نعمل ولن نغلق. كل جائع نطعمه، من يملك النقود ومن لا يملكها".
وتشهد المنطقة الحدودية في جنوب لبنان تصعيداً عسكرياً متفاقماً بين إسرائيل وحزب الله منذ شنت حركة حماس الفلسطينية هجوماً مباغتاً غير مسبوق داخل إسرائيل التي تردّ بقصف وعملية برية في قطاع غزة.
وبشكل رئيسي، ينفّذ حزب الله عمليات يومية ضد أهداف عسكرية إسرائيلية قرب الحدود، بينما تردّ إسرائيل بقصف مناطق حدودية مستهدفة تحرّكات مقاتلي حزب الله ومنشآت تابعة له قرب الحدود.
وازدادت حدة القصف في الآونة الأخيرة وأسفرت عن دمار كبير في بعض أحياء القرى الجنوبية الحدودية.
وأسفر التصعيد في الجنوب عن مقتل 140 شخصاً على الأقل في لبنان بينهم نحو مئة مقاتل من حزب الله و17 مدنياً على الأقل بينهم ثلاثة صحفيين.
وقتل 11 شخصاً من الجانب الإسرائيلي بينهم ستة عسكريين.
وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، فإن أكثر من 64 ألف شخص نزحوا في لبنان، غالبيتهم في الجنوب.
وفي تقرير نشر الثلاثاء، قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن النزاع أدى إلى "خسائر مادية كبرى" طالت خصوصا المساكن والمتاجر والبنى التحتية والخدمات في القرى الحدودية.
وأضاف التقرير أن "النشاط الاقتصادي والأعمال المحلية إما تعطلت وإما اضطرت لإغلاق أبوابها وإما الانتقال إلى مكان آخر".
"باقون في أرضنا"
في محطة الوقود التي يملكها عند مدخل بلدة الطيبة الحدودية في جنوب لبنان التي طالها القصف الإسرائيلي وقُتل مختارها بقذيفة قبل أيام، ينتظر علي منصور أيضا الزبائن القلائل الذين يتحدون القصف اليومي ويخرجون من منازلهم.
لكنه رغم ذلك يؤكد أنه "طالما القصف بعيد، نحن نعمل لنحصّل رزقنا".
ويقول هذا الرجل الخمسيني أمام محطة الوقود التي تشكّل مصدر رزقه الوحيد: "غادر عدد قليل من السكان القرية، لكننا ما زلنا هنا، لأن الأمور كما يقولون تحت السيطرة".
ويضيف خلال وقوفه قبالة بلدة مسكاف عام الإسرائيلية على الجانب الآخر من الحدود فيما يُسمع صوت طائرة مسيّرة تحلّق في الأجواء بوضوح: "نحن مواجهون لمسكاف عام، لو كنا خائفين لما بقينا هنا".
لكن منصور يصرّ "نحن باقون في أرضنا، أكيد أن عدد السكان الآن أقلّ، لكن من يملك رزقاً سيواظب عليه".
وفي بلدة العديسة المجاورة بقي المطعم الصغير الذي يعمل فيه أحمد ترّاب (23 عاما) مفتوحا لتقديم وجبات الهامبرغر للسكان حتى الأسبوع الماضي.
ويروي قائلا لوكالة فرانس برس "منذ بداية الحرب حتى الآن لم نغادر" لكن الأسبوع الماضي "ومثل كل يوم فتحنا المطعم، وقد حضر حسين الشاب الذي يساعدني في العمل، وسمعنا ضربة قوية جداً".
ويوضح: "نزلت أول قذيفة قبالة المطعم، واثنتان وراء المطعم، وأصيب حسين بشظية في رجله".
وما كان من أحمد ترّاب إلا أن قرر مغادرة قريته التي باتت شبه مقفرة الآن، بينما بقي عباس علي بعلبكي في بلدته لكنه اضطر لإغلاق المطبعة الصغيرة التي يملكها.
وفي ساحة العديسة الرئيسية قبالة الحسينية، يقول وهو يتابع على هاتفه النقال أخبار القصف الذي يطال القرى الحدودية: "لو امتدت الحرب عشرة أشهر أو سنة لن أغادر".
aXA6IDMuMTIuMzQuMjA5IA== جزيرة ام اند امز