جنوب السودان والانتقال السياسي.. مطالبات بدعم تنفيذ اتفاق السلام
أثار حديث الحكومة بدولة جنوب السودان عن استبعاد إقامة الانتخابات العامة نهاية العام المقبل وفق نصوص اتفاق السلام جملة من المخاوف والأسئلة المرتبطة بمستقبل العملية السلمية الهشة و مستقبل البلاد عموما.
إذ اعتبرها البعض محاولة من الحكومة للتملص من استحقاقات التحول والانتقال، بينما رآها البعض كخطوة منطقية بسبب عدم تنفيذ العديد من البنود والتفاصيل الهامة في اتفاق السلام، وبالأخص تكملة هياكل السلطة الانتقالية، وإعداد الدستور الانتقالي وتنفيذ بنود اتفاق الترتيبات الأمنية خاصة المتعلقة بتخريج وتوحيد القوات.
والثلاثاء الماضي، قالت رئاسة دولة جنوب السودان إن الدعوة لإجراء انتخابات عامة بنهاية العام المقبل "غير مبررة"؛ نظرا لوجود العديد من الصعاب التي تعترض تنفيذ بنود اتفاق السلام الموقع بين الحكومة وفصائل معارضة في سبتمبر/أيلول 2018.
وأضاف نيال دينق نيال، وزير شؤون رئاسة الجمهورية بدولة جنوب السودان، في بيان تلقت "العين الإخبارية" نسخة منه، أن "الدعوات التي تطالب بإقامة الانتخابات في العام 2022 غير مبررة، خاصة إذا وضعنا في اعتبارنا أن البداية الفعلية للفترة الانتقالية جاءت متأخرة عن الموعد المحدد، وعليه، فإن هناك حاجة لتعويض الوقت الضائع حتى يتسنى للأطراف تنفيذ بقية البنود العالقة قبيل الاتفاق على موعد إجراء الانتخابات".
وتأتي تصريحات الحكومة الانتقالية بدولة جنوب السودان على خلفية مطالبة الناشط والأكاديمي، بيتر بيار إجاك، في شهادة له أمام الكونجرس الأمريكي الأسبوع الماضي، بالضغط على الرئيس سلفاكير ميارديت لإجراء الانتخابات العامة بنهاية الفترة الانتقالية المتوقعة في العام 2022.
ويرى رياك وور، الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، أن الحكومة والمعارضة المسلحة لا توجد لديهما أدنى رغبة لإقامة الانتخابات العامة بنهاية الفترة الانتقالية، لأنها لا تصب في مصلحتهم، لذلك فإنهما سيلجآن لتمديد عمر الفترة الانتقالية لأطول فترة ممكنة لضمان بقائهما في السلطة.
ويضيف وور، في تصريح خاص لـ"العين الاخبارية": "هناك صعوبة لإقامة الانتخابات في الوقت المحدد بسبب فشل أطراف اتفاق السلام في القيام بأبسط المهام الأساسية، مثل إعادة بناء ما دمرته الحرب، وإجراء المصالحة الوطنية لتحقيق مبدأ التعايش السلمي بين المجتمعات المحلية".
وتابع: "أضف إلى ذلك الواقع الاقتصادي المزري بسبب الحرب، فالمواطن لم يتذوق حتى الآن طعم السلام والاستقرار، فحتى الآن الاتفاقية عبارة عن حبر على ورق، ولم تحقق تطلعات المواطن".
والعام الماضي، قامت الأطراف الموقعة على اتفاق السلام بتمديد عمر الفترة ما قبل الانتقالية لستة أشهر إضافية، استجابة لطلب زعيم المعارضة ريك مشار، بزيادة عمر الفترة الانتقالية لتنفيذ البنود الخاصة باتفاق الترتيبات الأمنية.
ونتيجة لفشل الأطراف في تنفيذ اتفاق الترتيبات الأمنية خلال الأشهر الستة الإضافية، قامت مرة أخرى بتمديد الفترة ما قبل الانتقالية لمائة يوم أخرى انتهت في فبراير/شباط 2020، بتعيين مشار نائبا أول لرئيس الجمهورية، إيذانا ببداية عمر الفترة الانتقالية التي يتوقع أن تنتهي في فبراير 2022.
أما عمار عوض، الصحفي المهتم بالشأن الجنوب سوداني، فيرى أن هناك وجاهة في طرح حكومة جوبا لتأجيل الانتخابات، بسبب عدم تمكنها من معالجة قضية الجيوش المنتشرة في الجنوب، نسبة لعدم اكتمال اتفاق الترتيبات الأمنية باعتباره عاملا مؤثرا للغاية في قبول أو رفض نتائج الانتخابات.
ويضيف في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية": "المطلوب الآن هو دعم تنفيذ اتفاق السلام الموقع بين مشار وكير، وتطبيع الحياة بين مناصريهم وتوفيق أوضاع جيوشهم لضمان انتقال سلس، لكن هذا لا يمنع من بدء شكل من أشكال الممارسة الديمقراطية العام المقبل، ولو كانت انتخابات على مستويات أقل مثل المحليات أو المحافظات او العموديات".
ويرى عمار أن تلك الممارسة ستعمل على إدخال ثقافة الاحتكام للشعب لنيل المناصب، فهي تمارين مفيدة لترسيخ الديمقراطية وتمهيدا لعملية الانتقال الديمقراطي بعد الفراغ من إكمال فصول السلام ودمج وتسريح الجيوش.
وبعد مضي قرابة العام من بداية الفترة الانتقالية، لم تتمكن الحكومة والمعارضة من استكمال تشكيل هياكل الحكم، كما تم تأجيل تخريج القوات المشتركة لأكثر من مرة، بحجة انعدام التمويل اللازم لتدريب القوات خلال الفترة ما قبل الانتقالية.
ولاتزال العديد من أجزاء البلاد تشهد أعمال عنف ومواجهات بين القوات الحكومية والمعارضة المسلحة التي تعد طرفا في الحكومة الانتقالية الجديدة في جنوب السودان من جهة والقوات الحكومية ومتمردي حركة جبهة الخلاص غير الموقعة على اتفاق السلام من جهة أخرى.
يأتي ذلك وسط مطالبات دولية بضرورة وقف الحرب الدائرة الآن في إقليم الاستوائية، والضغط على الرئيس سلفاكير والجنرال توماس سريلو للجلوس على طاولة التفاوض في أقرب وقت ممكن.
وكانت بلدان الترويكا (الولايات المتحدة، بريطانيا والنرويج) قد طالبت أطراف الحكومة الانتقالية بدولة جنوب السودان الشهر الماضي بإجراء إصلاحات فورية بالبلاد.
ودعت الترويكا الحكومة الانتقالية لتمهيد الطريق بما يساعد في إجراء انتخابات حرة ونزيهة وآمنة بنهاية الفترة الانتقالية.
وتشمل تلك الإصلاحات بحسب الترويكا إعداد الدستور الانتقالي، وتنفيذ الترتيبات الأمنية الانتقالية إلى جانب القيام بإصلاحات حقيقية في القطاع الأمني.