"الفلكلور" لتوحيد جنوب السودان.. فرقة من الأيتام المشردين تتحدى الواقع
في منزله بحي مونكي أحد أحياء مدينة جوبا عاصمة دولة جنوب السودان، بدأ أواتيم ديفيد أوكوي تدريب أطفال أيتام على أداء بعض الرقصات الفلكلورية بلغة قبيلة الأشولي التي ينحدر منها.
حينما انتهى أوكوي من جميع التحضيرات، أطلق على مجموعته الفتية الجديدة اسم "ميغا إندبندنت"، والتي تعني "الاستقلال ملك لنا"، بلغة مجموعة الأشولي.
قدمت الفرقة أول عرض لها في 9 يوليو/تموز 2011، وهو اليوم الذي تم فيه إعلان استقلال جنوب السودان رسميا من جمهورية السودان، وللمفارقة كانت الفرقة تضم حوالى 40 راقصا من الأيتام من كل قبائل جنوب السودان، لكنهم يتغنون ويرقصون بلغة الأشولي.
يقول أوكوي، (38) عاما، الذي أصبح رئيس الفرقة التي صارت تعرف أيضا باسم "فرقة الأشولي": "كونت الفرقة لأنني كنت أفكر في مشاركة الشباب في احتفالات الاستقلال، وبدأت بعدد 40 راقصا معظمهم من المشردين والأيتام، بينهم 25 فتاة، وهؤلاء ينتمون لمعظم قبائل جنوب السودان".
وللفرقة مجموعة من الأهداف تتمثل في استخدام وتوظيف التراث الشعبي والرقص الفلكلوري كأداة من أدوات تحقيق الوحدة والانسجام والترابط بين مكونات جنوب السودان المختلفة، هذا بالإضافة لنشر ثقافة السلام والحفاظ على الثقافة التقليدية المهددة بالزوال.
وتتخذ المجموعة من تنوع أعضائها وفقدانهم لأسرهم كعامل محفز للوحدة والترابط الداخلي الذي يرمز للوحدة الوطنية.
واعتادت فرقة "ميغا إندبندنت" تقديم عروضها الراقصة للجمهور من خلال ترديد أغنيات "لاراكارا" التي تقدم دائما في مناسبات الأفراح عند الأشولي.
وتؤدى هذه الأغنيات بطريقة معينة، حيث تصطف النساء في الصف الأمامي بينما يقف الشباب في الصف الخلفي، ويبدأون جميعا الرقص على إيقاع الطبول الأفريقية الداوية، ويمسك كل فرد من بـ(قرعة) كبيرة بيده اليمنى وفي اليد اليسرى مطرقة سلكية يضربون بها على القرع.
وفي هذا الوقت تبدأ المجموعة بالغناء المصحوب بالإيقاعات الصادرة عن الطبول، ويقوم أعضاء الفرقة المشهورين بارتداء الأزياء الملونة الشبيهة بجلد النمر الذي يرتديه رجال قبيلة الأشولي في مناسباتهم، ويرقصون بشكل متزامن مع تلك الإيقاعات.
وبحسب مارتن أتيك، منسق الفرقة، فإن العروض التي يقدمونها في الاحتفالات الخاصة والمناسبات الرسمية تعود عليهم ببعض المبالغ التي يتم استخدامها في توفير احتياجات الأعضاء.
ويضيف لـ"العين الإخبارية": "نقدم مجموعة من العروض شهريا، تصل إلى 10 عروض على أسوأ الفروض، والعرض الواحد بمبلغ 60 ألف جنيه، ما يعادل 200 دولار أمريكي، تخصص كلها لتوفير احتياجات الفرقة، سواء الرسوم الدراسية أو الأزياء إلى جانب توفير الطعام في مقر إقامة الأعضاء، وكذلك توفير الدواء حال تعرض أي منهم للمرض".
ويضيف: "إذا وجدنا فائضا من تلك العروض يتم تقديمه في شكل حوافز لكل عضو، وهو ما يؤكد أنه مشروع تكافلي في المقام الأول، فهم يقومون بالرقص لأجل مساعدة أنفسهم وتوفير احتياجاتهم لأنهم أطفال أيتام، وهذا سبب نجاح واستمرارية المجموعة إلى الآن".
وبسبب عروضها الشيقة والصاخبة تجد فرقة "ميغا إندبندنت" تجاوبا وإقبالا كبيرا، لذلك تشارك تقريبا في كل المناسبات الرسمية والمحافل التي تقيمها المنظمات الدولية والوطنية، وذلك لتنوعها من حيث الأعضاء الذين يبدعون على خشبة المسرح، ويقدمون صورة مغايرة لواقع اليوم الذي تسيطر عليه الانقسامات بسبب الحرب الاهلية التي شهدتها جنوب السودان.
واستطاعت فرقة ميغا إندبندنت أن تساهم في تغيير حياة 10 من أعضائها كانوا مشردين في الشوارع، لكنهم تحولوا بفضلها إلى اشخاص مسؤولين بعد أن واصلوا دراستهم لتواجدهم بالفرقة التي يحصلون منها على بعض الحوافز المادية.
بالنسبة لفاولو أوكوج، الذي يدرس التربية بجامعة جوبا، فإن انضمامه للمجموعة ساعده كثيرا على مواصلة الدراسة التي انقطع عنها بسبب فقدانه لوالده في الحرب التي اندلعت عام 2013.
ويمضي قائلا لـ"العين الإخبارية": "انتشلتني الفرقة من الواقع الذي كنت أعيش فيه بعد أن فقدت والدي في الحرب، لقد أخبرني أحد الأصدقاء بهذه الفرقة، لذلك أعلنت تطوعي فيها بما أمتلك من موهبة في الرقص، وكنت أسعى لتطوير موهبتي وكنت في حاجة للملاذ الآمن بدلا من حياة التشرد التي كنت أعيشها".