صراع واحتقان.. أزمة جديدة في جنوب السودان

موجة جديدة من التوتر تحاصر دولة جنوب السودان وتهدد استقرارا هشا يحاول تجاوز مخلفات حرب أهلية، ويطرح تساؤلات عن مستقبل اتفاق السلام فيه.
وتشهد دولة جنوب السودان توترات أمنية غير مسبوقة في أعقاب سلسلة اعتقالات مسؤولين وتغلغل مليشيات محلية تعرف بـ«الجيش الأبيض» في بلدة حدودية استراتيجية.
يضاف إلى ذلك احتجاز نائب رئيس الأركان، الجنرال غابرييل دوب لام، المتحالف مع «الحركة الشعبية لتحرير السودان» في المعارضة، والتابعة لنائب الرئيس ريك مشار، ليل الثلاثاء، واحتجازه في مقر قيادة الجيش بالعاصمة.
سلام جنوب السودان «على المحك».. توقيف مسؤول وحصار مقر «مشار»
من جانبه، أعلن مكتب وزير النفط في حكومة جنوب السودان، فوت كانق شول، احتجاز الوزير داخل منزله بتوجيهات من جهة أمنية.
وقال السكرتير الصحفي للوزير، سرير غابرييل، في تعميم صحفي، إن الوزير وهو عضو بارز في الحركة الشعبية في المعارضة، مُحتجز فعليًا داخل منزله هو وأفراد أسرته وحراسه الشخصيين.
وأوضح أن "الإجراء (الاحتجاز) تم من قبل أفراد قالوا إنهم تابعون لجهاز الأمن الوطني".
فيما أفادت مصادر أمنية لـ"العين الإخبارية"، بأن قوات الأمن ما زالت تحاصر مقر إقامة نائب رئيس دولة جنوب السودان ريك مشار في العاصمة جوبا.
وأشارت المصادر إلى أن الاعتقالات جاءت بعد اجتماع رئاسي رفيع المستوى عُقد لمعالجة المخاوف الأمنية المتصاعدة في ولايات الناصر، وغرب الاستوائية، وغرب بحر الغزال.
وفي ولاية أعالي النيل، أعلنت مجموعة “الجيش الأبيض” سيطرتها على "الناصر" وهي بلدة بالقرب من الحدود الإثيوبية، بعد اشتباكات مع القوات الحكومية.
وتتكون هذه المجموعة بشكل رئيسي من شبان ينتمون إلى قبائل النوير، وقد لعبت دورا بارزا في النزاع السابق بين الحكومة والمعارضة، وتعرف باستخدامها أساليب حرب العصابات والمواجهات العنيفة.
وأثار تقدم المسلحين مخاوف أمنية شأن المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة التي شهدت عنفًا مستمرًا منذ عام 2013، تاريخ اندلاع الحرب الأهلية، والتي انتهت باتفاق سلام بين الحكومة والمعارضة في 2018.
"تآكل الثقة"
في وقت متأخر من ليل الثلاثاء، قال بال ماي دينق، وهو المتحدث الرسمي باسم ريك مشار، إن قوات أمنية اعتقلت مسؤولا عسكريا كبيرا متحالفا معه، كما انتشرت قوات أمنية حول مقر إقامته، ما يهدد اتفاق السلام المبرم عام 2018.
وحل السلام في جنوب السودان رسميا منذ أن أنهى اتفاق عام 2018 صراعا استمر خمس سنوات بين مشار والرئيس سلفاكير ميارديت، وأودى بحياة مئات الآلاف، لكنّ العنف بين القبائل المتنافسة استمر إن وبشكل متقطع.
وجاء في بيان دينق أن "هذا الإجراء ينتهك الاتفاق المنشط لحل النزاع في جنوب السودان ويشل عمل مجلس الدفاع المشترك، وهو مؤسسة حيوية للاتفاق تتولى القيادة والسيطرة على جميع القوات. وهذا الإجراء يعرض الاتفاق بأكمله للخطر".
وأضاف: "نشعر أيضا بقلق بالغ إزاء الانتشار الكثيف لقوات جيش جنوب السودان حول مقر إقامة مشار. هذه الأفعال تؤدي إلى تآكل الثقة بين الأطراف".
وخلال الساعات الماضية، شهدت العاصمة جوبا انعقاد اجتماع بين الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه ريك مشار، للوصول إلى تفاهمات تنهي التوترات الأمنية التي تشهدها بعض أجزاء البلاد.
وقال أدموند ياكاني، المدير التنفيذي لمنظمة "تمكين المجتمع من أجل التقدم"، المعروفة اختصارا بـ"سيبو"، لصحيفة "الموقف" المحلية، إن الاجتماع ناقش قضية انتشار خطاب الكراهية والأخبار الكاذبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وأوضح أن الاجتماع الرئاسي دعا إلى تضافر الجهود من أجل إنهاء خطاب الكراهية والأخبار الكاذبة التي أدت واقعيا إلى تعقيد التوترات في مقاطعة ناصر تحديدا.
ما وراء التوتر
يرى أتيم سايمون، الكاتب والمحلل السياسي من دولة جنوب السودان، أن "التوتر في العاصمة جوبا ناتج من أعمال عنف ميداني في مدينة الناصر شرقي ولاية أعالي النيل، بدأت بمواجهات مسلحة مع مليشيات الجيش الأبيض التي استولت على القيادة العسكرية للجيش الحكومي".
ويقول سايمون، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "الحكومة تتهم المعارضة المسلحة بأن المليشيات تابعة لها".
ويضيف: "التوتر حصل إثر اجتماع عقد قبل يومين بين الرئيس سلفاكير ونائبه مشار، وتم الاتفاق على أن قوات الجيش المتجهة إلى مدينة الناصر تنحصر مهمتها في استبدال القوات المتواجدة هناك".
ومستدركا: "لكن المعلومة التي وصلت إلى الناس هناك أن الجيش القادم من جوبا ينوي الحرب، ما أدى إلى مواجهات عسكرية أفضت إلى اعتقال قيادات عسكرية وسياسية من المعارضة المُسلحة".
وأوضح أن "التفسير الوحيد للاعتقال اتهام تلك القيادات بالتحريض على إشعال الأوضاع في مدينة الناصر، خاصة أن وزير البترول (النفط) ينتمي إلى المنطقة التي شهدت تلك الأحداث".
وتابع: "الواضح أن اتفاق الترتيبات الأمنية المُدرج باتفاقية السلام الشامل الذي ينص على توحيد الجيش لم ينفذ، وهناك معضلات تعوق التنفيذ ما أدى إلى نشوب أزمة ثقة بين الأطراف".
وبحسب الخبير، فإن أزمة الثقة "بدأت في التصاعد على مستوى ولاية غرب الاستوائية، خاصة عندما استبدل الرئيس حاكم المنطقة التابع للمعارضة المسلحة".
وأشار إلى وجود "توترات في غرب بحر الغزال لأن الحاكم هناك من المعارضة المسلحة، وهناك توترات في أعالي النيل لأن الحاكم من المعارضة المسلحة التي تتبع لمشار".
ولفت إلى أن "الحكومة في جوبا تعتبر ما يجري محاولات لتقويض النظام السياسي وتحاول على الأقل التعامل مع المسألة بمنحى عسكري".
واعتبر سايمون أن "ذلك لن يحل المشكلة التي تحتاج إلى حوار سياسي ووسطاء اتفاقية السلام خاصة دول إيغاد للتدخل بشكل عاجل لنزع فتيل الأزمة إلى حين الانتهاء من الفترة الانتقالية في 2027".
وحصدت الحرب الأهلية، التي اندلعت في ديسمبر/كانون الأول 2013 بعد إقالة كير لمشار، أرواح ما يقدر بنحو 400 ألف، وأجبرت أكثر من 2.5 مليون على الفرار من منازلهم.
كما جعلت نصف السكان تقريبا البالغ عددهم 11 مليون نسمة يكافحون من أجل العثور على ما يكفي من الغذاء، وانخفض أيضا إنتاج النفط، وهو مصدر دخل حيوي للدولة الفقيرة.