مدرب الصدفة.. ساوثجيت "المذنب" يعيد مجد إنجلترا الضائع
قلب جاريث ساوثجيت مدرب منتخب إنجلترا التوقعات رأسا على عقب، وتمكن من كتابة تاريخ جديد لـ"الأسود الثلاثة" في القارة العجوز.
لم يكن أكثر المتفائلين من المشجعين والنقاد يتوقع أن يكون ساوثجيت هو المدرب القادر على إحياء إنجلترا عقب صدمة الخروج من دور 16 لكأس الأمم الأوروبية "يورو 2016"، على يد أيسلندا، وتحقيق إنجازين مميزين مع الأسود الثلاثة في غضون 5 سنوات.
وكانت صورة المذنب ملازمة دائما لساوثجيت، حيث كان المدافع السابق يجسد فشل إنجلترا بعد إخفاقه في ركلة الترجيح الحاسمة أمام ألمانيا في نصف نهائي يورو 1996 على أرض الإنجليز، ليطيح بأحلام الفريق في التتويج باللقب حينها للمرة الأولى في تاريخه.
لكن المدرب الشاب صاحب الـ50 عاما عاد بعد 25 عاما ليكفر عن ذنبه بأروع ما يكون، ويقود منتخب إنجلترا لبلوغ نهائي البطولة ذاتها "يورو 2020"، ويبقى على بعد خطوة واحدة من دخول التاريخ، وخلع ثوب المذنب، وارتداء ثوب البطل القومي الذي منح منتخب بلاده ثاني لقب كبير في تاريخه.
مدرب الصدفة
تولى ساوثجيت تدريب منتخب إنجلترا بالصدفة البحتة، حيث أصبح مدربا مؤقتا عقب إقالة سام ألاردايس من قبل الاتحاد الإنجليزي بسبب تسريب صحفي، وقوبل تعيينه المفاجئ بقليل من الحماس من وسائل الإعلام المحلية.
لكن التحول كان بارزا بعد أن قاد ساوثجيت إنجلترا للدور قبل النهائي في كأس العالم 2018، وبعدها لنهائي يورو 2020، ليخوض الأحد أكبر مباراة لـ"الأسود الثلاثة" منذ نهائي كأس العالم 1966.
أساليب مبتكرة
استحوذ ساوثجيت على قلوب الإنجليز وأصبح معشوقهم الأول بفضل أساليبه المبتكرة غير التقليدية، مثل اللعب بثنائي وسط الملعب ديكلان رايس وكالفن فيليبس في محور الارتكاز، وشخصيته القوية التي جعلته لا يتأثر بالمطالبات الجماهيرية بالبدء أساسيا بجاك جريليش بانتظام.
ويتطلع المدرب أيضا للحصول على إلهام بعيد عن كرة القدم، حيث اصطحب لاعبيه للتدريب مع البحرية الملكية واستعان برياضة كابادي، التي تتضمن احتكاكات، في حصص التدريب.
وسافر ساوثجيت وطاقمه لمشاهدة مباريات بدوري السلة الأمريكي للمحترفين وكرة القدم الأمريكية للاستفادة من خطط تنفيذ الضربات الثابتة وإدارة المباريات، وشرح اهتمامه بالألعاب الأخرى قائلا "يمكننا تجربة أشياء مختلفة في العمل وإذا واصلنا فعل ما نفعله دائما سنحصل على نفس النتائج".
واستعار مدرب إنجلترا للرجبي إيدي جونز أساليب ساوثجيت في تعافي اللاعبين، وقال عنه إنه "متواضع وشغوف ومدرب مثقف" كما امتدح تحول ساوثجيت من شخص مثير للسخرية إلى قائد.
وأوضح "استمروا في إظهار اختناق ساوثجيت من ركلة الترجيح الضائعة، لكنهم تلقوا ضربات أخرى منه وهذا مذهل".
كما أثبت ساوثجيت أنه يمكن أن يكون رمزا وطنيا بعد أن شجع اللاعبين على الاستمرار في "الجثو على الركبة" لمناهضة التمييز العنصري قبل المباريات، رغم انتقادات بعض أعضاء الحكومة البريطانية.
وقال ساوثجيت لمنصة "ذا بلايرز تريبيون" التي تتواصل مع الجماهير بشكل مباشر قبل البطولة "لم أؤمن أبدا بأن ننشغل بكرة القدم فقط، ولاعبونا نماذج يحتذى بها، وخارج حدود الملعب يجب أن نعترف بقدرتهم على ترك تأثير بالمجتمع ويجب منحهم الثقة للوقوف مع زملائهم والانشغال بأشياء تهم الناس".
تواضع النجوم
منتخب ساوثجيت هو الأفضل في تاريخ إنجلترا منذ فريق ألف رامزي الفائز بكأس العالم، لكنه رغم ذلك يتسم بالتواضع، والعديد من لاعبيه لا ينتمون لأكبر أندية البلاد.
وكتب فيليب لام لاعب ألمانيا السابق بصحيفة الجارديان عن ذلك بالقول: "تمكن ساوثجيت من إقناع اللاعبين الأعلى دخلا بأنهم لا يلعبون كرة القدم فحسب، بل يتركهم لتحمل المسؤولية الاجتماعية وهذا يشكل هوية، كما أنه جعل فريقه يؤمن بالخطة، وأن أحدا لن يسجل في مرماه بسهولة".
وربما لا يكون أسلوب ساوثجيت جريئا كما يتوق بعض المشجعين لكنه يتمتع بفاعلية كبيرة، وهو ما يوضحه أن الهدف الوحيد الذي سكن شباك إنجلترا في 6 مباريات جاء عبر ركلة حرة خلال الفوز على الدنمارك في قبل نهائي يورو 2020، بينما أغلق الطرق أمام منتخبات الصفوة مثل ألمانيا وكرواتيا.