أمريكية- ألمانية.. تعرّف على أطول عملية تجسس في التاريخ
تخيل أن دائرة الاتصال السرية المشفرة داخل أنظمة صنع القرارات في أكثر من 60 دولة، سيسمعها طرف ثالث، هذا ما حدث في عملية "روبيكون".
ففي عام 1952، تأسست شركة سويسرية متخصصة في صناعة آلات التشفير، تسمى "كريبتو إي جي"، وباعتبارها واحدة من أكثر الشركات شهرة في السوق، كانت قائمة عملائها تضم حكومات وجيوشا.
وفي ترتيب غير رسمي، عام 1953، اتفق صديقان هما، بوريس هاغلين، مؤسس "كريبتو إي جي"، ووليام فريدمان، عالم التشفير في وكالة الأمن القومي (إن إس إي)، على تقييد بيع المنتجات الآمنة على الدول "الصديقة".
وكانت جميع الأجهزة الأخرى المبيعة "قابلة للقراءة" من قبل المخابرات الأمريكية، وبالتالي فرض هيمنة القوى الغربية على الدول الأخرى.
وتُعرف هذه الاتفاقية باسم "اتفاقية السادة"، نظرًا لأنها لم تكن صفقة موقعة رسميًا، وظلت قيد التنفيذ طوال فترة خمسينيات من القرن الماضي.
لكن لم يستمر ما اتفق عليه "السادة" طويلا، لأن العلاقة بين وكالة الأمن القومي وهاغلين أصبحت متوترة بشكل متزايد.
والسبب: لم تكن وكالة الأمن القومي راغبة في مشاركة المعلومات الضرورية مع هاغلين، فيما سأم الأخير من القيود التي فرضوها على مبيعاته.
وفي أواخر الخمسينيات، انسحبت وكالة الأمن القومي من الاتفاق مع هاغلين، تلا ذلك عقد من المفاوضات واتفاقية ترخيص مدتها خمس سنوات بين وكالة المخابرات المركزية والشركة.
دخول ألمانيا
وفي عام 1969، توصلت محادثات، في واشنطن، بين وكالة الأمن القومي وشخصية استخباراتية ألمانية، إلى عملية شراء مشتركة لـ"كريبتو إي جي" من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي أي إيه)، ووكالة المخابرات الألمانية (بي إن دي) في عملية سرية عرفت باسم "روبيكون".
وكنتيجة حتمية، سمح ذلك للوكالتين بوصول غير مسبوق إلى مجموعة كبيرة من المعلومات السرية والمعرفة المسبقة ببعض أهم الأحداث في القرن العشرين.
وكانت عملية "روبيكون" واحدة من أكبر وأطول وأنجح عمليات استخبارات الإشارات خلال الحرب الباردة، إذ تم الاتفاق على صفقة شراء الشركة، وتم تنفيذها في سرية تامة.
وبطبيعة الحال، تم إخفاء تفاصيل الملكية الجديدة للشركة عن الجميع، بمن في ذلك موظفوها، وذلك من خلال الوسطاء.
وبدأت عملية "روبيكون"، إذ سيطرت الوكالتان الاستخباريتان على دفاتر العملاء العالمي الواسع للشركة، لكي يضمنا نجاح عملياتهما.
وتحت سيطرتهما، باعت الشركة أجهزتها إلى أكثر من 60 دولة حول العالم، بما في ذلك الأرجنتين واليونان والهند وإيطاليا وإيران وليبيا.
ومع ميزة "إمكانية التلاعب بتصميم منتجات الشركة"، أسست الوكالتان الاستخباريتان آلية غير آمنة لآلات التشفير الخاصة بهذه الدول، ولا يمكن قراءتها إلا من قبل المخابرات الأمريكية والألمانية.
النتائج
ووفقا للوثائق السرية التي كشفت عنها الوكالتان، سمحت هذه العملية لصانعي السياسات في البلدين بالوصول إلى بيانات الاتصالات الحساسة للغاية لأعدائهم لعقود من الزمن.
وتأثر عدد لا يحصى من أحداث الحرب الباردة الرئيسية بالاتصالات التي تم جمعها من خلال أجهزة الشركة، إذ كانت التفاصيل متاحة دائما لأمريكا وألمانيا.
وفي البداية، لم يتمتع عملاء الشركة بالفطنة عندما تعرضت مراسلاتهم للخطر. لكن مع ظهور الشكوك، سارعت الشركة إلى التستر على المشكلة أو باعت للعميل منتجًا تمت ترقيته. ولم تكن الآلات البديلة أكثر أمانًا، ولكنها عادةً ما خففت من مخاوف العملاء.
والأكثر غرابة، الدور الذي لعبته شركات الصناعة الخاصة في العملية، إذ تم نقل العديد من الموظفين المدنيين الرئيسيين من شركة "سيمنز" الألمانية، إلى الشركة المستخدمة في العملية.
كما قدمت شركة التكنولوجيا الألمانية سيمنز، تصميمات إخفاء التلاعب بالأجهزة، لكونها كانت رائدة في مجال الاتصالات وتحظى باحترام كبير في الخمسينيات من القرن العشرين، مع تمتعها بعلاقة خاصة مع دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية.
قضية يوهلر
وأثارت العملية بعض التساؤلات حول القيود الأخلاقية لعمليات الاستخبارات، من بينها تعريض الموظفين المدنيين للخطر في أثناء رحلاتهم للدول بصفة الشركة، وهم لا يعلمون عن العملية شيئاً.
على سبيل المثال، هانز بوهلر، وهو بائع ناجح للشركة، قام بزيارة صيانة روتينية إلى طهران، وتم الاشتباه في الآلات واحتجز لمدة 9 أشهر لاستجوابه بشكل متكرر.
وفي عام 1994، خرجت ألمانيا من "روبيكون" بعد اكتشاف وثيقة خلال قضية بوهلر، إذ باعت دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية حصتها في الشركة إلى وكالة المخابرات المركزية.
واستمرت ملكية وكالة المخابرات المركزية لعملية روبيكون حتى تم بيع شركة "كريبتو إي جي" مرة أخرى في عام 2018.
aXA6IDMuMTQ3LjQ4LjI1MSA=
جزيرة ام اند امز