بين الجمود والكارثة الإنسانية.. مفاوضات غزة إلى أين؟

المفاوضات تتواصل في مسعى من الوسطاء الدوليين لإنهاء حرب دخلت شهرها الـ21 وسط أزمة إنسانية تتفاقم على وقع عمليات عسكرية مستمرة.
في غضون ذلك، سلمت حركة حماس، اليوم الأربعاء، ردّها على مقترح الهدنة مع تعديلات، وفق مصدرين فلسطينيين مطلعين تحدثا لوكالة فرنس برس.
وتتواصل بالعاصمة القطرية الدوحة منذ السادس من يوليو/ تموز الجاري مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحركة حماس، في محاولات لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار لكنها تصطدم بعقبات كبيرة في ظلّ تمسّك الطرفين بمواقفهما.
ولم تصمد هدنتان سابقتان تمّ التوصل إليهما في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 ويناير/كانون الثاني الماضي.
وأمس الثلاثاء، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن المبعوث ستيف ويتكوف سيتوجّه إلى الشرق الأوسط لعقد محادثات، "وأمله كبير بأن نطرح وقفا جديدا لإطلاق النار وممرا إنسانيا لدخول المساعدات".
وإذ تتأرجح المفاوضات الحالية بين التفاؤل والانهيار، يقف سكان غزة على أعتاب مجاعة، فيما أكدت الأمم المتحدة أن القوات الإسرائيلية قتلت أكثر من ألف فلسطيني في أثناء محاولتهم الوصول إلى مساعدات غذائية داخل القطاع.
وفي ظل التدهور الحاد في الأوضاع الإنسانية، لا يزال السؤال نفسه مطروحا: هل يرى الاتفاق بين الطرفين النور؟
رد حماس
أكد مصدران فلسطينيان مطلعان على سير المفاوضات، اليوم الأربعاء، أن حركة حماس سلّمت الوسطاء ردّها على مقترح الهدنة في قطاع غزة، وقد تضمّن تعديلات تشمل ضمانات لوقف إطلاق نار دائم مع إسرائيل.
وقال أحد المصدرين لوكالة فرانس برس "سلّمت حماس وفصائل المقاومة اليوم للوسطاء الردّ على المقترح المقدّم لها من الوسطاء مع تضمينه تعديلات للوصول إلى وقف إطلاق نار دائم".
وأضاف أن ردّ حماس "عالج بشكل رئيسي ملف دخول المساعدات إلى غزة وخرائط الانسحاب العسكري الإسرائيلي من القطاع وضمانات الوصول إلى وقف الحرب بشكل دائم".
وأكّد مسؤول فلسطيني مطلع على المفاوضات أن ردّ حماس "إيجابي"، مؤكدا مضمون كلام المصدر الأول.
وأوضح أن ردّ حماس "يتضمّن أيضا المطالبة بتعديلات على خرائط الانسحاب الإسرائيلي".
وطالبت الحركة بأن "تنسحب القوات الإسرائيلية من التجمعات السكنية وطريق صلاح الدين (الرابط بين شمال وجنوب القطاع)، مع بقاء قوات عسكرية كحد أقصى بعمق 800 متر في كافة المناطق الحدودية الشرقية والشمالية الحدودية للقطاع".
وذكر أن "حماس طالبت (...) بزيادة عدد المفرج عنهم من الأسرى الفلسطينيين من ذوي المحكوميات المؤبدة والعالية مقابل كل جندي إسرائيلي حي".
ونوّه إلى أن المفاوضات "ستتواصل حتى الوصول إلى اتفاق نهائي".
من جانبه، قال مصدر أمني إسرائيلي إن حركة "حماس" قدمت إلى الوسطاء ردا تم رفضه والطلب منها برد أكثر ملائمة.
وأضاف المصدر في تعميم على وسائل الإعلام الإسرائيلية "قطر ومصر تسلمتا ردًا من حماس أمس، وهو ما لا يُرضي الوسطاء أنفسهم، فرفضوه".
وتابع: "أوعز الوسطاء للحركة بالعودة برد أكثر ملاءمة".
وبحسب المصدر الأمني الإسرائيلي، فإن "رد حماس لم يُسلّم إلى إسرائيل إطلاقًا، ولذلك لم تتلقَّ إسرائيل ردًا رسميًا حتى الآن".
وقال: "حماس ببساطة لا توافق على الخرائط" أي خرائط انسحاب الجيش الإسرائيلي في غزة.
وأضاف أن "تساؤلات تُثار حول استعدادهم للتوصل إلى اتفاق".
ماذا يريد الطرفان؟
لا تزال الجهود الدولية للتوصل إلى اتفاق وقف لإطلاق النار تراوح مكانها عمليا.
وتستند المبادرة الحالية إلى اقتراح هدنة مؤقتة لمدة 60 يوما، يتخللها الإفراج بشكل تدريجي عن رهائن محتجزين في قطاع غزة، في مقابل إطلاق سراح مئات المعتقلين الفلسطينيين.
لكنّ الجانب الفلسطيني يؤكد أن أي اتفاق يجب أن يتضمن ضمانات لإنهاء الحرب بشكل دائم، وهو ما ترفضه إسرائيل التي تربط وقفا نهائيا للعمليات العسكرية بتفكيك البنية العسكرية لحماس.
وعطّلت هذه المواقف الجهود الجارية في الدوحة التي باتت تتركّز حاليا بشكل أساسي على وضع إطار تفاوضي يقول الوسيط القطري إنها لا تزال في مراحلها الأولى قبل انطلاق المفاوضات الفعلية أصلا.
ويقول الباحث في معهد العلوم السياسية بباريس كريم بيطار لوكالة فرانس برس: "الحقيقة القاسية والصادمة هي أنه لأسباب سياسية داخلية، لا يملك (رئيس الوزراء الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو ولا قادة حماس في غزة مصلحة في التوصل إلى نتيجة سريعة ووقف شامل لإطلاق النار، لأن كلا منهما سيضطر للإجابة عن أسئلة جدية من جمهوره الداخلي".
ماذا عن الواقع الميداني؟
يعقّد الواقع الميداني المشهد التفاوضي بشكل كبير. إذ تواصل إسرائيل عملياتها في مناطق مختلفة من القطاع.
ووسّع الجيش الإسرائيلي، الإثنين، عملياته إلى منطقة لم يسبق أن شهدت عمليات برية منذ بدء الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، غداة إصداره إنذارا للسكان بإخلائها.
ويساهم ذلك في تعقيد العراقيل اللوجستية بالنسبة لحماس. ويقول بيطار إن هناك "جوانب فنية يصعب تجاوزها، بسبب انقطاع التواصل المتزايد بين قيادة حماس في غزة والمفاوضين في الدوحة".
وذكرت تقارير إسرائيلية أن قادة حماس في الدوحة لم يتمكنوا حتى الآن من التواصل المباشر مع القيادة العسكرية في غزة للمصادقة على الخرائط والآليات التنفيذية للمقترح.
ورغم الجمود الظاهر، لم يعلن الوسطاء فشل المبادرة أو المحادثات عموما.
ويرى محلّل شؤون الشرق الأوسط في "كينغز كولدج لندن" أندرياس كريغ أن المحادثات "تتقدّم من الناحية التقنية، لكنها من الناحية العملية تقترب من طريق مسدود"، ذلك أن "ما هو مطروح حاليا على الطاولة هو عمليا صفقة تبادل أسرى جديدة، وليس اتفاقا حقيقيا لوقف إطلاق النار".
ويعتبر كريغ أن حماس تواجه ضغوطا شديدة، "فمن جهة، تحتاج إلى تحقيق مكاسب ملموسة، لا سيما منها وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب إسرائيلي، لتبرير تقديم أي تنازلات".
ومن جهة أخرى، "تواجه أوضاعا إنسانية متدهورة بشكل متسارع في غزة. وربما تنشغل القيادة بمناقشة مدى إمكانية القبول بتسوية لا تبدو كاستسلام سياسي".
هل يغيّر الوضع الإنساني المسار؟
تتفاقم الكارثة الإنسانية بسرعة. وبات فلسطينيو القطاع الذين يتخطّى عددهم المليونين على شفا المجاعة بعد أكثر من 21 شهرا من الحرب التي اندلعت إثر هجوم غير مسبوق لحماس على جنوب الدولة العبرية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وقال مدير مجمع الشفاء الطبي في غزة الدكتور محمد أبوسلمية، الثلاثاء، إن 21 طفلا توفوا بسبب سوء التغذية والمجاعة في مختلف مناطق قطاع غزة، وذلك مع بلوغ الكارثة الإنسانية مستويات غير مسبوقة من الجوع.
وباليوم نفسه، قالت الأمم المتحدة إن الجيش الإسرائيلي قتل أكثر من ألف شخص عند نقاط توزيع المساعدات في غزة منذ نهاية مايو/ أيار الماضي، غالبيتهم كانوا بالقرب من مواقع مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل.
وحذّرت أكثر من مئة منظمة غير حكومية الأربعاء من خطر تفشّي "مجاعة جماعية" في غزة، ودعت إلى فتح كلّ المعابر البرية، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إليه.
ويرى كريغ أن حماس تواجه أيضا "حالة يأس متزايدة في صفوف السكان، ما قد يدفعها إلى قبول اتفاق مؤقت لتخفيف المعاناة".
لكن بيطار يرى أنه "ما لم تمارس الولايات المتحدة وقطر ضغطا كبيرا بشكل ملموس على إسرائيل، فأخشى أن هذه الجولة من المفاوضات ستفشل مثل الجولات السابقة".
aXA6IDIxNi43My4yMTcuNSA=
جزيرة ام اند امز