ستارمر وماكرون.. صداقة تفرضها التحديات وتحذير قائم

عناق أخوي، ومصافحة استمرت 13 ثانية، وتربيتات دافئة على الظهر. إشارات علنية بين ستارمر وماكرون، في قمة استضافتها بريطانيا حول أوكرانيا في 2 مارس/آذار الجاري، عكست عودة الوفاق والود بين لندن وباريس.
وفي عصر عدم اليقين حول توجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الثانية، والحرب في أوكرانيا وفي غزة وغيرها من الأزمات العالمية، أصبحت بريطانيا وفرنسا أقرب ما تكونان إليه منذ أكثر من عقد، لكن البعض يحذر من أن تحسين العلاقات له حدود مع مساعي لندن للتقرب من الاتحاد الأوروبي.
ويمثّل هذا التقارب بين البلدين تحولاً مذهلاً بعد أقل من 3 سنوات على تصريح رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك ليز تراس، بأنها لا تستطيع تحديد ما إذا كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "صديقًا أم عدوًا"، في حين سخر سلفها بوريس جونسون من احتجاج باريس على تحالف "أوكوس" وصفقة الغواصات التي استثنت فرنسا.
كما يأتي التقارب بعدما هددت فرنسا في مرحلة ما، بقطع إمدادات الطاقة عن المملكة المتحدة وسط خلاف حاد حول الوصول إلى مياه الصيد البريطانية.
ونقلت صحيفة "تلغراف" البريطانية عن دبلوماسيين قولهم إن التهديدات المزدوجة من ترامب وروسيا هي سبب تقارب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لكن مصادر مطلعة أكدت أن هناك انسجامًا حقيقيًا بينهما وذلك على الرغم من اختلافاتهما الواضحة.
وستارمر (62 عامًا) هو محام سابق في مجال حقوق الإنسان عمل مدعيًا عامًا، لا يتحدث أي لغة غير الإنجليزية، ومع بقائه 4 سنوات على الأقل في السلطة، فلديه الوقت الكافي للتأقلم مع منصبه ووضع استراتيجيات طويلة المدى.
أما ماكرون (47 عامًا) فكان مصرفيًا استثماريًا في روتشيلد، يتحدث الإنجليزية والألمانية تزوج بمعلمته التي تكبره بـ24 عاما ويستعد لمغادرة منصبه في 2027 ويواجه أزمة داخلية في ظل برلمان معلق نتج عن دعوته إلى انتخابات كارثية.
ورغم الخلافات الواضحة بينهما فإن الرجلين لديهما أيضًا قدر لافت من القواسم المشتركة فكلاهما تكنوقراط معتدل، وهما ينحدران من يسار الوسط، ولاعبان متحمسان لكرة القدم، ويعزفان على البيانو.
كان اللقاء الأول بينهما في 2023، عندما خالف ماكرون البروتوكول بدعوة ستارمر باعتباره زعيما للمعارضة يتمتع "بالسلطة الأخلاقية" لقيادة المملكة المتحدة.
وقال ميشيل دوكلو، الدبلوماسي الفرنسي السابق والمستشار الخاص للشؤون الجيوسياسية والدبلوماسية في معهد مونتين في باريس، الذي لعب "دورًا صغيرًا" في ذلك الاجتماع "سارت الأمور على ما يرام لأنهما تكنوقراطيان ورجلان على دراية بملفاتهما".
وتلقت العلاقة دفعة أخرى عندما غادر ريشي سوناك، رئيس الوزراء آنذاك، مبكرًا الحفل الدولي لإحياء الذكرى الثمانين ليوم النصر، في حين بقي ستارمر الذي لم يكن مدرجًا في قائمة المدعوين في الأصل.
ومجددا، خرق ماكرون البروتوكول واتصل بستارمر ليلة الانتخابات لتهنئته قبل فوزه الرسمي فكان أول زعيم عالمي يتصل به كما تحدث الرجلان في اليوم التالي بمجرد دخول ستارمر داونينغ ستريت.
وأثار رئيس الوزراء الجديد إعجاب ماكرون باستضافته قمة المجموعة السياسية الأوروبية (EPC)، وهي من بنات أفكار الرئيس الفرنسي وتعد منصة غير رسمية لمناقشة المخاوف المشتركة خارج حدود الاتحاد الأوروبي، خاصةً فيما يتعلق بأوكرانيا.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، دعا ماكرون ستارمر لحضور احتفالات يوم الهدنة في باريس، ليكون أول رئيس وزراء بريطاني يقوم بذلك منذ ونستون تشرشل.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي دعا ستارمر ماكرون إلى تشيكرز، وهناك اصطحبه في جولة إرشادية في مقر إقامته الريفي الرسمي في باكينغهامشير.
ومع تولي ترامب السلطة تعمقت العلاقة وقال بيتر ريكيتس، السفير البريطاني السابق في باريس: "لقد دفعت أوكرانيا المملكة المتحدة وفرنسا معًا كقوتين عسكريتين أوروبيتين رائدتين، ثم ازدادت الأمور سوءًا بفعل فوضى الأسابيع الستة الأولى لترامب، مما دفع ماكرون وستارمر إلى دور قيادي حقيقي".
وأضاف: "أعتقد أنهما شكّلا ثنائيًا فعالًا للغاية، لأنهما يقدمان جوانب مختلفة. يتمتع ماكرون بخبرة كبيرة في هذا المجال الدولي، وعلاقات عميقة مع العديد من الأطراف الفاعلة. ويتمتع ستارمر بالقدرة على البقاء والاستقرار السياسي وهو ما يفتقر إليه ماكرون".
واجتمع كلاهما مع ترامب في المكتب البيضاوي فكان ماكرون أكثر حزمًا في تحدي الرئيس الأمريكي، لكن ستارمر خرج بنتيجة ملموسة، وهي عدم فرض رسوم جمركية مباشرة على المملكة المتحدة والموافقة على الاتفاقية الخاصة بالسيادة على جزر شاغوس في المحيط الهندي.
وقال كيم داروش، السفير البريطاني السابق لدى الولايات المتحدة: "لن يرغب أي رئيس وزراء بريطاني في الوقوف علناً إلى جانب أوروبا ضد أمريكا إلا إذا حدث أمرٌ استثنائي.. سيظل الموقف السائد هو أن كلتا العلاقتين أساسية".
وأضاف "لكن البريطانيين والفرنسيين يتعاونون بشكل وثيق بشأن أوكرانيا، باعتبارهما القوتين العسكريتين الرائدتين في أوروبا".
وتابع: "إحدى نتائج أزمة أوكرانيا هي أنه رغم البريكست فقد تولى ستارمر دورًا قياديًا في أوروبا، إلى جانب ماكرون، وفي ظل حكومة تصريف أعمال في ألمانيا".
وعلى الرغم من التقارب، لا تزال نقاط الخلاف الفرنسية البريطانية قائمة، خاصة فيما يتعلق بالتعاون في مجال الصناعات الدفاعية مع الكشف عن تعرض خطة ستارمر للتوصل لاتفاقية أمنية مع الاتحاد الأوروبي لعرقلة خاصة من قبل الفرنسيين، وأنه لن يكون هناك أي تقدم في مجال الأمن حتى تقدم لندن تنازلات بشأن صيد الأسماك وتنقل الشباب الأوروبيين.
ويختبئ الفرنسيون وراء قواعد الاتحاد الأوروبي التي تُصنّف المملكة المتحدة كدولة ثالثة، وبالتالي لا يُمكنها أن تكون جزءًا من مشروعات وبرامج صناعة الدفاع في الاتحاد الأوروبي.
وقال مصدر مقرب من ماكرون: "هذا لا يعني أنهم سيتركون بريطانيا فجأةً تتساهل في التزاماتها تجاه خروجها من الاتحاد الأوروبي.. هذا هو التحذير".
aXA6IDE4LjIxOC42MC41NSA= جزيرة ام اند امز