أموال الضرائب الأمريكية إلى خزائن «الشباب» بالصومال.. كيف حدث ذلك؟
تشهد ولاية مينيسوتا الأمريكية واحدة من أكبر فضائح الاحتيال في تاريخ برامج الرعاية الاجتماعية، حيث اختفت مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب.
وتشير التحقيقات التي تجريها الولاية إلى أن جزءاً كبيراً من هذه الأموال انتهى به المطاف في الصومال، ليصب في خزائن حركة "الشباب" الإرهابية الموالية لتنظيم القاعدة، وفقاً لتقرير لصحيفة "نيويورك بوست" الأمريكية.
ورغم ضخامة الأزمة، يواجه الإعلام المحلي والمسؤولون الديمقراطيون انتقادات واسعة بسبب ما اعتبره البعض "تغاضيًا متعمدًا"، خشية اتهامات بالعنصرية أو فقدان الدعم السياسي من الجالية الصومالية المؤثرة في الولاية.
ويكشف تحقيق فيدرالي عن تداخل العقلية القبلية القادمة من الخارج مع منظومة بيروقراطية متساهلة، مكّن شبكات من المحتالين - غالبيتهم من الجالية الصومالية - من استغلال سخاء برامج الرعاية الاجتماعية وخلق بيئة فساد مزدهرة. ويقول مصدر فيدرالي مطّلع: "أكبر ممول لحركة الشباب هو دافع الضرائب في مينيسوتا".
برنامج ميديكيد للسكن: ثغرة احتيال بملايين الدولارات
برز برنامج خدمات العثور على السكن، التابع لبرنامج ميديكيد، كأبرز مثال على الانهيار الرقابي.
أُطلق البرنامج عام 2020 لمساعدة الفئات الضعيفة في الحصول على سكن، لكنه صُمّم بمتطلبات قبول منخفضة وغياب شبه كامل للرقابة المالية.
وفي مؤشر على حجم الكارثة، قفزت تكلفة البرنامج من 21 مليون دولار عام 2021 إلى 104 ملايين دولار عام 2024.
وفي أغسطس/آب الماضي، علقت دائرة الخدمات الإنسانية البرنامج بعد إيقاف 77 مقدم خدمات للاشتباه بالاحتيال.
وصرح المدعي العام الفيدرالي السابق، جو طومسون بأن "الجزء الأكبر من البرنامج كان احتياليًا… شركات وهمية أُنشئت فقط لسرقة النظام".

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أعلن طومسون لوائح اتهام ضد 8أشخاص، ستة منهم من الجالية الصومالية، مؤكداً أن هذه مجرد بداية كشف النقاب عن الشبكة.
قضية "فيدينغ أور فيوتشر": احتيال بـ 250 مليون دولار
في نفس اليوم الذي أُعلنت فيه تلك الاتهامات، كشف مكتب الادعاء عن تطورات جديدة في قضية منظمة "فيدينغ أور فيوتشر"، التي بلغ حجم الاحتيال فيها 250 مليون دولار.
تأسست المنظمة عام 2016 لدعم برامج تغذية الأطفال، وتوسعت خلال الجائحة بشكل هائل، مدعية تقديم آلاف الوجبات يومياً عبر سجلات مفبركة. وحصلت عام 2021 على 200 مليون دولار من التمويل الفيدرالي، لكن الأموال استخدمت لشراء عقارات وسيارات فاخرة داخل الولايات المتحدة وخارجها.
ولفت التحقيق إلى أن المنظمة رفعت عام 2020 دعوى ضد مسؤولي الولاية متهمة إياهم بـ"العنصرية"، في خطوة اعتبرها المحققون محاولة لإسكات الرقابة.
وقال السيناتور السابق ديفيد غايثر: "هذه حيلة معروفة: عندما يضيق الخناق، اتهمهم بالعنصرية". وكشفت وثائق عن علاقات نسجها أفراد هذه الشبكات مع مسؤولين منتخبين، بينهم مقربون من النائبة إلهان عمر.
احتيال التوحد: رشاوى مقابل تشخيصات وهمية
وفي منعطف جديد، ظهرت في 24 سبتمبر/أيلول الماضي قضية احتيال جديدة تتعلق ببرنامج علاج الأطفال المصابين بالتوحد، بلغت قيمتها 14 مليون دولار.
والمتهمة الرئيسية هي عائشة فرح حسن، المتورطة أيضاً في قضية "فيدينغ أور فيوتشر".
ووفقاً لمكتب الادعاء، قدمت عائشة فرح حسن وشركاؤها رشاوى تتراوح بين 300 و1500 دولار لكل طفل لتسجيله في خدمات العلاج، حتى بدون تشخيص طبي، ما أدى إلى تضخم هائل في مطالبات ميديكيد، قفزت من 3 ملايين دولار عام 2018 إلى 399 مليون دولار عام 2023.

وعند اكتشاف المخطط، كان طفل من كل 16 طفلاً صومالياً بعمر 4 سنوات قد شُخّص بالتوحد، أي أكثر بثلاثة أضعاف المعدل العام في الولاية. وعلق طومسون قائلاً: "هذه الشبكات سرقت مليارات الدولارات".
تتبع الأموال: الصلة بالإرهاب
وتكشف مصادر مكتب التحقيقات الفيدرالي أن 28 قضية احتيال كبرى تم كشفها في الولاية منذ 2019، أكثرها مرتبط بشبكات من الجالية الصومالية. وتكشف معلومات استخباراتية أن ملايين الدولارات حُوّلت عبر شبكات الحوالة التقليدية إلى الصومال، حيث انتهى جزء منها لدى حركة الشباب.
ويقول أحد المحققين إن: "هناك روابط حقيقية بين هذه الشبكات في مينيسوتا والجماعات الإرهابية في الخارج". وتشير تقارير الأمن الداخلي إلى أن مينيسوتا كانت الولاية الأولى في عدد الأمريكيين الذين حاولوا الالتحاق بتنظيم داعش خلال العقد الماضي.
ويختتم السيناتور السابق غايثر بالقول: "ما نراه الآن ليس إلا بداية ما سيُكشف لاحقاً"، في إشارة إلى أن هذه الفضيحة قد تكون مجرد غيض من فيض من فساد استشرى في نظام الرعاية الاجتماعية بالولاية.