تمثال الحرية بأمريكا.. هل كان أصله مصريا؟
هل كان من المفترض أن ينتصب تمثال الحرية، أبرز معالم الولايات المتحدة، عند مدخل قناة السويس بمصر؟
لسنوات ظل هذا التساؤل عالقا بين الوهم والحقيقة، إلى أن حسمته رواية دقيقة تعود إلى عام 1869 حين زار النحات الفرنسي فريدريك أوغست بارتولدي، مصر وقام برحلة نيلية من القاهرة إلى أسوان.
من مصر بدأ الإلهام
في ذلك الوقت، سافر بارتولدي مع مجموعة من سفراء الثقافة الفرنسية لتصوير أعمال العصور القديمة في مصر، وهناك فوجئوا بمناظر صحراوية، إذ كانت المدن القديمة في حالة خراب، في حين بقيت التماثيل كما هي، بحسب ما طالعته "العين الإخبارية" في الموقع الإلكتروني لخدمة المتنزهات الوطنية في أمريكا.
مشاهد ألهمت بارتولدي لكتابة "يبدو أن هذه الكائنات الجرانيتية، في جلالها الهادئ، لا تزال تستمع إلى العصور القديمة البعيدة. يبدو أن نظرتها اللطيفة والهادئة تتجاهل الحاضر وتركز على مستقبل غير محدود".
وكفنان ناشئ، بحث بارتولدي بنشاط عن اللجان وكذلك الإلهام، وحصل على اجتماع مع الخديوِ إسماعيل باشا، نائب الملك في مصر آنذاك، والحاكم الذي أشرف على تمويل بناء قناة السويس.
قدم بارتولدي تمثالا لمنارة ضخمة يصور فلاحة مصرية، تحمل على رأسها جرة، بعنوان "مصر تجلب الضوء إلى آسيا"، لكن الخديوِ رفض التصميم بعد أن كان قد وافق عليه في بادئ الأمر.
وفقا للمؤرخ مايكل أورين، في كتابه "القوة والإيمان والخيال"، كان بارتولدي سيحفر صورة امرأة فلاحة مصرية تحمل شعلة الحرية، في نصب تذكاري يبلغ ارتفاعه ضعف ارتفاع أبوالهول، يتم وضعه عند مدخل قناة السويس، بحسب ما طالعته "العين الإخبارية" في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
إلى أمريكا
رفض الفكرة في مصر، دفع بارتولدي المضطرب إلى البحث عن العزاء في رحلة بحرية إلى أمريكا.
وبينما كان يبحر إلى ميناء نيويورك، رأى جزيرة بيدلو "على شكل بيضة" وبدأ يفكر في موقع جديد لعمله المهيب، المشبع بمعنى جديد.
قبل فترة ليست طويلة، أجرى بارتولدي محادثة مع المناهض الفرنسي للعبودية والمؤيد المتحمس للشمال في الحرب الأهلية، إدوارد رينيه دو لابولاي، الذي اقترح أن تقدم فرنسا للولايات المتحدة هدية تقديرا لنهاية ذلك الصراع.
وبعد سنوات من المفاوضات، تقرر أن تجمع أمريكا ثمن قاعدة تمثال "الحرية تنير العالم" وأن تدفع فرنسا ثمن التمثال نفسه، إلى أن تم تجميع التمثال ووصوله إلى نيويورك في 17 يونيو/حزيران عام 1885، بعد أن تم شحنه عبر المحيط الأطلسي في 350 قطعة فردية.
عاد بارتولدي إلى نيويورك برفقة وفد فرنسي ليضع عينيه على تمثال الحرية المكتمل ويشارك في تدشينه عام 1886، قائلا "لقد تحقق حلمي. لا أستطيع إلا أن أقول إنني مسحور. سيعيش هذا الشيء إلى الأبد، عندما نموت، ويتلاشى كل ما يعيش معنا".
تُوفي بارتولدي في عام 1904، لكن تمثاله الذي تحول من فلاحة مصرية تجلب النور لآسيا إلى امرأة غربية ترفع شعلة التنوير مع سلاسل مكسورة عند قدميها، لا يزال حيا كمنارة للحرية تمتد عبر الأجيال.