قائد مهمة Crew-6 التاريخية لـ«العين الإخبارية»: جربت الطعام الإماراتي في الفضاء.. والتحليق مع سلطان النيادي «امتياز لي» (حوار)
في سبتمبر/أيلول، هبطت المركبة الفضائية دراغون قبالة سواحل ولاية فلوريدا الأمريكية بعد رحلة استغرقت 186 يوما على متن محطة الفضاء الدولية.
وبذلك، أُعلنت النهاية الرسمية لمهمة المركبة التي كان على متنها طاقم SpaceX Crew-6، بعد أكثر من 6 أشهر كاملة قضاها الفريق في أداء مئات التجارب العلمية والإنسانية.
وترجع أهمية مهمة Crew-6 غير التقليدية على متن محطة الفضاء الدولية إلى كونها مهمة طويلة تضمنت مئات التجارب العلمية والإنسانية، وكان الغرض منها قياس القدرات البشرية في الرحلات الفضائية الطويلة التي تمهد لها وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا).
وعلى المستوى العربي، اعتبرت الرحلة تاريخية لكونها أول رحلة لرائد فضاء عربي في مهمة طويلة في محطة الفضاء الدولية، إذ تضمن الفريق رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي.
وصاحب النيادي في هذه المهمة 3 رواد فضاء آخرين على رأسهم قائدها رائد الفضاء الأمريكي ستيفن بوين، ورائد الفضاء الروسي أندري فيديايف، ورائد الفضاء الأمريكي وارين هوبيرغ.
"العين الإخبارية" أجرت حوارا مع رائد فضاء وكالة "ناسا" ستيفن بوين، قائد مهمة Crew-6 الأخيرة، كشف خلاله عن تفاصيل كثيرة ومثيرة، من بينها تجربته للطعام الإماراتي الذي كان يرسل لزميله النيادي.
كما تطرق للحديث عن خطط وكالة "ناسا" لإرسال البشر إلى القمر، وبناء أول قاعدة استيطانية للبشر خارج الأرض خلال السنوات المقبلة، ثم الانطلاق في الرحلة التاريخية للمريخ.
رائد الفضاء الأمريكي سجل 227 يومًا في الفضاء في رحلاته الأربع، وفي رحلته الأخيرة أجرى 3 عمليات خارج المركبات الفضائية استغرقت 18 ساعة و39 دقيقة؛ ليسجل باسمه 10 أنشطة خارج المركبة في مسيرته المهنية لمدة إجمالية بلغت 65 ساعة و57 دقيقة؛ وهو ثالث رائد فضاء في القائمة الدولية على الإطلاق، يؤدي أعمالا وأنشطة خارج المركبة الفضائية.. وإلى نص الحوار:
بصفتك قائد طاقم مهمة Space X التاريخية ذات الأهمية الكبيرة لدولة الإمارات، هل يمكنك مشاركة بعض التجارب والقصص التي مررت بها مع رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي؟
في الحقيقة، النيادي كان زميلا رائعا في الغرفة، وعندما اجتمعنا كطاقم كان الأمر مثيرًا حقًا، لقد التقيت برائدي الفضاء الإماراتيين هزاع المنصوري وسلطان النيادي أثناء تدريباتهما قبل الذهاب إلى رحلة محطة الفضاء الدولية، لذا أعرفهما منذ فترة وهما حقا رائعان، والحصول على فرصة التحليق في الفضاء بجوار النيادي كان بمثابة امتياز حقيقي بالنسبة لي.
وخلال رحلتنا، أتيحت لي الفرصة خلال مهمتنا الأخيرة للسير مع سلطان في الفضاء، وكان رائعًا في المدار وأداؤه جيد حقًا.
دعني أكشف لك أنه قبل السفر إلى الفضاء، قمنا في (ناسا) بضغط تدريبه لأننا لم نحصل على الوقت الكافي للقيام بتدريب EBA الكامل للسير في الفضاء وقد كان أداؤه رائعًا بشكل مذهل، لذلك كان من الرائع حقًا أن أكون جزءًا من ذلك الجهد.
وعلى متن محطة الفضاء الدولية كنت دائمًا معجبًا به، فهو قادر على إنجاز العمل ومذهل جدًا، وكان يجري تجاربه ومقابلاته باللغتين العربية والإنجليزية، لذا كان أمرا مدهشا لي.
أيضا كان انتقاله السلس من العربية للإنجليزية أثناء العروض التقديمية مثار إعجاب لنا على متن محطة الفضاء الدولية، كان عمله رائعًا، وبشكل عام كان شخصًا لطيفًا.
ظهرت في بعض مقاطع الفيديو مع سلطان النيادي على متن محطة الفضاء الدولية وأنت تجرب الطعام العربي والإماراتي للمرة الأولى، حدثنا عن هذه التجربة؟
شخصيا، أحب الطعام بجميع أنواعه من كل مكان، وكان الطعام الإماراتي والعربي الذي حصلنا عليه رائعا جدا، لقد أرسلوا لنا الكثير من الطعام من الإمارات وانتهى بنا الأمر بالتهامه جميعًا، ورغم أن الخطة كانت الاحتفاظ بالبعض منه للعام التالي لكنني أشك أنه ما زال هناك أي منه على محطة الفضاء الدولية، فقد كان لذيذا للغاية.
أجريت 4 رحلات خارج الأرض، حدثنا عن محطة الفضاء الدولية؟
الغرض من المحطة الفضائية هو إجراء التجارب المختلفة، لقد تدربنا على الأرض للعمل بعدد من التجارب التي كانت عبارة عن تجارب تعلمناها أثناء وجودنا في المدار.
والتجارب التي كان علينا القيام بها كثيرة ومتنوعة وأحيانا نكون بأنفسنا جزءًا من التجارب، أي نحن الموضوعات والعناصر التي سيتم تجربتها، لذلك نأخذ الكثير من عينات السوائل والدم وما إلى ذلك لتصبح جزءًا من التجارب.
لذا فإن الغرض الحقيقي من محطة الفضاء هو العلم، وعلى الجانب الآخر هي قاعدة استيطانية للإنسان في الفضاء، وهي مأهولة بشكل مستمر منذ أكثر من 23 عامًا، وهذا بالتأكيد إنجاز مذهل.
أيضا الجانب الهندسي لمحطة الفضاء الدولية ليس له مثيل، إنها بالتأكيد واحدة من أكثر الأشياء المدهشة التي خلقتها البشرية على الإطلاق.
هناك العديد من البرامج الدولية لاستكشاف الفضاء، وأهمها "آرتميس" لعودة الإنسان إلى القمر، الذي يضم أكثر من 30 دولة منها دول عربية كالإمارات، كيف ترى التعاون الدولي لاستكشاف الفضاء، ولماذا هو مهم؟
من المهم للغاية لنا كبشر أن نسافر معًا، من الواضح أن استكشاف الفضاء صعب ومكلف للغاية، لذا فإن استغلال الموارد بالشكل الأمثل والاستفادة من كل الجهود أمر عظيم لكل دولة تشارك، وللبشرية جميعا في نهاية المطاف، فمن الواضح أنه كلما زاد عدد المشاركين انخفضت التكاليف الفردية.
ودعنا لا ننسى أن مساهمة كل دولة تجلب شيئًا آخر للمناقشة، فنحن ننظر للأمور بشكل مختلف، وفي الفضاء نحتاج لطرق مختلفة للنظر في المشاكل المختلفة، لذا فإن كل مساهمة دولية في برامج استكشاف الفضاء تمثل طريقة مختلفة لحل بعض القضايا.
وأعتقد أن هذا التعاون المتمثل في العمل معًا يؤدي حقًا إلى مهمة أقوى، وقدرة أعلى لمواجهة جميع المشكلات، مثلا انظر إلى محطة الفضاء الدولية، هناك 16 دولة تعمل معًا، والآن باتت محطة الفضاء الدولية تدور حول الأرض منذ 23 عامًا، أي اقتربنا من الربع القرن على الوجود البشري الدائم في الفضاء، وهذا بفضل تعاوننا.
ومحطة الفضاء الدولية نموذج حقيقي لما يمكن تحقيقه عندما نعمل معًا، وجزء كبير من ذلك هو أن المساهمات التي تقدمها كل دولة على طول الطريق تعزز النتيجة النهائية.
بالعودة إلى رحلتك الأخيرة هل تطلعنا على آخر مستجدات تجارب الزراعة في الفضاء وإنتاج المياه على متن محطة الفضاء الدولية؟
لقد حاولنا خلال العقود الماضية زراعة أنواع مختلفة من النباتات في مدار الأرض، وحققنا نجاحًا كبيرًا على طول الطريق لتمكين رواد الفضاء من تناول ما نزرعه في محطة الفضاء الدولية، لأنه بدون إنتاج الطعام في الفضاء لن تكون لدينا فرصة الذهاب بعيدا، وأستطيع أن أقول إننا نحصل على ما يكفي من الطماطم في محطة الفضاء الدولية.
وحول تجارب الحصول على المياه في الفضاء، فإنه من المثير للاهتمام حقًا عندما كنت في مهمتي الأولى خارج الأرض في عام 2008، قبل أن يتوفر الماء على متن محطة الفضاء الدولية، كان إنتاج المياه يتم عن طريق استخدام النفايات على متن المكوك، لقد استخدمنا الهيدروجين والأكسجين وقمنا بدمجهما في الوقود حتى تحصل على الكهرباء وكان الماء نتيجة ثانوية لذلك.
وكانت المهمات المكوكية تلقي بمثل هذه المياه في المحيطات والبحار، ومن هنا جاءت الفكرة أن كل ما علينا فعله هو جمع وتنقية المياه التي تنتج عن تشغيل خلايا الوقود وتركها على متن المحطة الفضائية.
وحتى عندما اتخذوا قرار إحالة المكوك الفضائي إلى التقاعد، لم نكن نعلم أن نقل أي شيء إلى الفضاء أمر مكلف للغاية، ناهيك عن الماء الثقيل حقًا.
لذلك توصلوا إلى نظام كنا نأمل في البداية أن يكون قادرًا على إعادة تدوير 80% أو نحو ذلك من كل مكثفات العرق والبول الموجودة على متن المحطة الفضائية ونستخدمه بشكل مستمر.
ولكن هذا العام، بفضل بعض الأنظمة الإضافية التي أضفناها إلى العملية أعتقد أنهم حققوا نسبة 98% في فترة قصيرة من الزمن، وهو أمر مذهل للغاية، لأن ما تعلمناه في المدار هو أمر مذهل.
ولن أقول طاقة منخفضة، لكنها قطعة سريعة جدًا ومدمجة من المعدات التي تولد الكثير من المياه العذبة، ولذا قمنا بالفعل بتطوير أنظمة على الأرض للقيام بذلك في المناطق التي ليس لديها طريقة سهلة للحصول على المياه العذبة من مياه الصرف الصحي.
لكن للمضي قدمًا، يجب تقليل الكتلة التي ترسلها إلى المدار أو إلى ما بعده، ونحن نعلم أن مدار الأرض عبارة عن ماء ولن يكون بوسعنا أن نذهب بعيدًا دون القدرة على إعادة تدويره وإعادة استخدامه.
وبعد كل هذه التجارب الضخمة والخبرات الكبيرة في الفضاء، هل تعتقد أن البشر جاهزون للرحلات الطويلة إلى الفضاء؟
لقد قضيت 227 يوما في الفضاء فحسب، بعض رواد الفضاء يستهدفون قضاء 1000 يوم في الفضاء، لذلك هناك بعض الأشخاص الذين يقضون الكثير من الوقت في الفضاء فعلا.
مثلا، آخر مهمة على متن محطة الفضاء الدولية، أمضى رواد الفضاء فيها أكثر من عام متواصل في الفضاء وهو أمر مذهل للغاية.
وأعتقد أن الرحلات الطويلة في الفضاء ليست فوق قدراتنا بعد الآن، أعتقد أن الأمر يتعلق فقط بإلزام أنفسنا والموارد اللازمة لإنجاز ذلك.
لقد نفذت نحو 10 عمليات سير في الفضاء، وفي إحدى المرات كنت مع أحد رواد الفضاء خلال مهمة عمل خارج المحطة الفضائية الدولية، وأعتقد أن هذه كانت رحلتي الرابعة أو الخامسة من عمليات السير في الفضاء، لقد استغرق مني الأمر ثواني معدودة لتذكر حياتي بالكامل.
كانت المحطة الفضائية فوقي، والأرض تمر من تحتي، وكل ما كنت أفكر فيه هو كيف وصلنا لهذه النقطة ذلك؟ ها أنا أجلس على قمة المحطة الفضائية، أساعد في بناء هذه المنصة المذهلة التي تفتح مستقبل البشرية، وأنا أنظر إلى مسارات الأرض بالأسفل.
أي نوع من الحضارة يسمح لنا بفعل ذلك، عندما نعمل معًا عندما نركز على مشروع ما، يكون الأمر كذلك، إنه لأمر مدهش كم من الخير والأشياء الجيدة وإلى أي مدى يمكن أن نذهب كبشر.
لقد تعلمنا الكثير من وجودنا الطويل في الفضاء، فيما يتعلق بكيفية الحفاظ على أنفسنا، وكثافة عظامنا، وكتلة عضلاتنا، وفي الفضاء ستفقد ذلك بسرعة كبيرة إذا لم تمارس التمارين الرياضية بشكل جيد.
ولذلك نمارس تمارين تحمل الأحمال بضع ساعات كل يوم، وهذا يبقينا أقوياء وأصحاء، وعلى استعداد لنعود إلى حالتنا الطبيعية لنتمكن من التعافي بسرعة بمجرد عودتنا إلى الأرض.
كما تعلم عندما نتجاوز مدار الأرض المنخفض إلى القمر يكون ذلك بعد 3 أيام فقط، لكن إذا ذهبنا إلى المريخ فإن رحلة الذهاب فقط تستغرق 6 أشهر كاملة، ناهيك عن أن "الكوكب الأحمر" بيئة منخفضة الجاذبية أصلا، ثم 6 أشهر أخرى للعودة إلى الأرض، وهذه المدة الطويلة في الواقع ضمن نطاق ما فعله الناس على الأرض.
لقد قمنا ببعثات استكشافية إلى القطب الشمالي والقطب الجنوبي في وقت مبكر من التاريخ للإبحار حول العالم، لذا فمن ضمن التجربة الإنسانية أننا نستطيع أن نغادر الكوكب للقيام بخطوتنا التالية في الاستكشاف، حتى نتعلم بشكل أفضل كيفية البقاء على قيد الحياة في الفضاء.
وماذا عن استعدادات رحلة المريخ، إلى أي مدى تعتقد أننا قريبون من مهمة الكوكب الأحمر؟
لدينا بالفعل الآن ونحن نتحدث العديد من الوسائل التكنولوجية فوق الكوكب الأحمر بالفعل، قد لا تكون رحلة المريخ أسهل الرحلات لكنني أعتقد أن لدينا القدرة على القيام بذلك والآن.
ومع استمرار تطور التكنولوجيا ينبغي أن يصبح الأمر أسهل وأكثر وضوحًا، في الحقيقة الصعوبات والتحديات هي نحن، لذلك يجب أن يكون لدينا أنظمة التحكم البيئي لإبقائنا على قيد الحياة.
لقد تحدثنا للتو عن أن الماء سيوفر الطعام في الفضاء لكن تعتبر البيئة الإشعاعية خارج المدار الأرضي المنخفض خطرة للغاية، إنه مختلف تمامًا عما شهدناه في المحطة الفضائية، لذا كلما تمكنا من الانتقال من الأرض إلى المريخ بشكل أسرع كان ذلك أفضل لمستقبل الاستكشافات البشرية في الفضاء.
الآن من الناحية الواقعية، سوف تمر العديد من السنوات قبل أن نصل إلى هناك، لكن كل خطوة صغيرة، لا سيما مع برنامج أرتميس لعودة البشر إلى القمر، يمكن أن ترسل الإنسان إلى ما وراء القمر.
وصحيح أن هدف برنامج آرتميس عودة البشر إلى القمر، لكن هدفه الآخر سيكون أبعد من ذلك بكثير، فبعودة حركة أقدام الإنسان على القمر نأمل أن يصبح القمر موقعًا استيطانيًا دوليًا على بعد 250 ألف ميل من الأرض، ومن ثم ستكون مجرد نقطة انطلاق لباقي المجموعة الشمسية.
لقد مرت علينا عقود من الزمن لرؤية هذا الهدف، وآمل أن أكون على قيد الحياة لأرى هذا الحلم يتحقق، سيكون ذلك رائعًا حقًا.
هل يمكنك مناقشة دور الذكاء الاصطناعي في محطة الفضاء الدولية وفي البعثات الفضائية المستقبلية؟
أن الذكاء الاصطناعي بشكل عام هو تحسين عملية اتخاذ القرار، إن الطريقة التي أنظر بها إلى الوضع الحالي للذكاء الاصطناعي لا تعتبر تفكيرًا مستقلاً بعد، لكن كما تعلم سوف يصبح أقوى وأقوى وسيساعدنا في قدرتنا على الإجابة عن الأسئلة وحل المشكلات وفرز البيانات والمعلومات.
وهي عملية شبيه بعملية اتخاذ القرارات في الدماغ البشري، فبعض أشكال الذكاء الاصطناعي يأخذون جميع المدخلات، وجميع المدخلات الحسية وينظرون إلى ما لديهم وما تعلموه من قبل ويتوصلون إلى قرار.
كما نعلم الذكاء الاصطناعي يمضي قدمًا، ومن يدري أين سيكون وكيف سوف يصبح ليكون أقوى لمساعدة البشرية.