ترامب وانتخابات 2028.. بانون يعيد ضبط بوصلة الشعبوية الأمريكية
في ظهيرة خريفية دافئة في واشنطن، يجلس ستيف بانون، المستشار السابق في البيت الأبيض وأحد أبرز مهندسي التيار الشعبوي في الولايات المتحدة، داخل منزله المطل على مبنى المحكمة العليا.
ووسط أكوام من الصحف والكتب التي تملأ طاولته، يتحدث بانون بحماس عن رؤيته لمستقبل حركة "اجعلوا أمريكا عظيمة مجددًا" التي أسّس روحها الفكرية قبل نحو عقد.
ووفقا لصحيفة «التايمز»، يعرف بانون بنزعته الجدلية وحضوره القوي في المشهد اليميني الأمريكي. ورغم الانتقادات التي تصفه بالتطرف والتحريض، فإن أنصاره يرونه "العقل المدبر" وراء إعادة الحزب الجمهوري إلى قاعدته الشعبية. بعمر الحادية والسبعين، لا يبدو أنه فقد شيئًا من طاقته أو قناعته بأن الشعبوية لا تزال في بدايتها.
خلال مقابلته مع الصحيفة، تناول بانون مواضيع شتى، تراوحت ما بين أزمة الديون العالمية وانتقاداته للسياسات الغربية تجاه الحرب في أوكرانيا. ويرى أن استخدام الأصول الروسية المجمدة لتمويل الحرب "سابقة خطيرة"، متسائلًا غاضبًا: "لم نفعل ذلك ضد اليابان أو ألمانيا أو حتى بول بوت، فلماذا الآن؟".
وبعد تجربته المثيرة في إدارة ترامب الأولى، حيث شغل منصب كبير المستشارين الاستراتيجيين، خاض بانون علاقة متقلبة مع الرئيس، بدأت بالتحالف الوثيق وانتهت بخلاف علني، قبل أن يعود مؤخرًا إلى صف المؤيدين. ورغم سجنه لمدة أربعة أشهر بسبب رفضه الإدلاء بشهادته أمام لجنة التحقيق في أحداث السادس من يناير/كانون الثاني 2021، فإنه يقول إن السجن جعل قناعاته أكثر صلابة.
اليوم يبدأ بانون يومه عند الرابعة فجرًا بممارسة تمارينه الروحية، قبل أن يسجل برنامجه اليومي "غرفة الحرب" الذي يلقى متابعة واسعة داخل الدوائر المحافظة. ويؤكد أن إدارة الرئيس ترامب الحالية تتابع برنامجه بدقة، مضيفًا: "نحن على تواصل دائم، لكنني لا أريد أن أذكر عدد المرات".
مرحلة جديدة؟
يرى بانون أن الولاية الثانية للرئيس ترامب تمثل مرحلة جديدة في التاريخ السياسي الأمريكي. ويؤكد أن الإدارة الحالية ستتبنى ما يسميه "الاستراتيجية القصوى"، أي تطبيق البرنامج الشعبوي دون تراجع أو مساومة. كما يشبّه أداء ترامب بـ"عرض واقعي متقن الإعداد"، مشيدًا بمديرة حملته سوزي وايلز التي "تدير العرض بانضباط وذكاء".
ويطرح بانون مشروعًا استراتيجيًا يسميه "حصن أمريكا"، يهدف إلى إعادة تركيز السياسة الأمريكية نحو القارتين الأمريكتين عبر تعزيز النفوذ الاقتصادي والأمني من غرينلاند شمالًا إلى قناة بنما جنوبًا. ويرى أن هدف ترامب هو إنهاء التدخلات الخارجية والتركيز على الداخل، قائلًا: "عندما قال أمريكا أولًا، قصد القارتين الأمريكتين أولًا".
وفي مقارنة لافتة، يعتبر بانون السياسي البريطاني نايجل فاراج "أعظم سياسي في القرن الحادي والعشرين بعد ترامب"، في إشارة إلى أسلوبه الشعبوي الصريح وقدرته على مخاطبة الطبقة العاملة. ويضيف أنه يتمنى أن يتبنى فاراج نهجًا اقتصاديًا أكثر جرأة، مثل فرض ضرائب تصاعدية على الثروة.
وعن مستقبل الحركة الشعبوية في الولايات المتحدة، يفاجئ بانون متابعيه بالقول: "أنا أستعد لحملة ترامب 2028"، مؤكدًا أن الرئيس سيواصل مشواره السياسي "لإكمال ما بدأه"، في إشارة إلى مشروعه الواسع لتقليص نفوذ البيروقراطية و"تفكيك الدولة العميقة". ويبتسم قائلًا: "ترامب سيكون مرشح الحزب الجمهوري وسيفوز مجددًا. لاحظ أنني لم أقل ولاية ثالثة".
بعيدًا عن السياسة، يعمل بانون على إنتاج فيلم وثائقي حول جيفري إبستين، يهدف إلى كشف ما يصفه بـ"شبكة الفساد العالمية بين النخب". ويقول إن قضية إبستين تمثل "نافذة لفهم طريقة عمل السلطة الحديثة"، قبل أن يختم بقوله: "أنا جمهوري إيرلندي، لا أؤمن بالملوك ولا بالأرستقراطية. النخب الحديثة أخطر من أي تاج ملكي".
بهذا المزيج من الحدة الفكرية والحساب السياسي، يواصل ستيف بانون لعب دوره كأحد أبرز الأصوات المؤثرة في التيار الشعبوي الأمريكي، مقتنعًا بأن الثورة التي بدأها لا تزال في منتصف الطريق.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNTgg جزيرة ام اند امز