بعدما توقف نبضه بسبب "انفجار المرفأ".. هل عاد شارع الجميزة إلى الحياة؟
أيام وتحل ذكرى "نكبة بيروت".. الانفجار المشؤوم الذي لم يغيّر فقط مصير مدينة في لحظات بل وطن وشعب بأكمله.
مشاهد الدماء والدمار لا تزال مطبوعة في ذاكرة كل لبناني، لا سيما ما طال شارع الجميزة القريب من المرفأ والذي كان له نصيب كبير من الكارثة، فهذا الشارع الذي يعد قلب العاصمة توقف نبضه عن الخفقان بعد الدمار الذي لم يرحم أي شبر فيه، فهل أعيد إنعاشه من جديد؟
لطالما كان شارع الجميزة ذاكرة بيروت، وقلبها النابض بالحياة وبازدحام الناس في المطاعم المقاهي المنتشرة في المكان، أبنيته التراثية خير دليل على صموده رغم كل ما مرّ عليه عبر التاريخ، واليوم يثبت الشارع من جديد أنه عصي على "الموت"، وأنه يحاول أن يتماثل للشفاء وأن يعود إلى ما كان عليه قبل سنة من الآن.
"العين الاخبارية" زارت شارع الجميزة الذي بدا أنه لا يزال يحتاج إلى المزيد من "العلاج"، حيث إن أبنية عدة لم ينته ترميمها بعد، وورش العمل جارية عليها، المحلات والمطاعم فتحت أبوابها محاولة تجاوز ما حدث، لكن لا أحد يمكنه أن ينكر أن هناك شيئا ما غريب، فالصدمة تبدو في كل زاوية من زوايا الشارع من خلال سكون لم يعتده، والزحمة اختفت في النهار وإن كانت تظهر ليلاً بسبب قاصدي المطاعم.
أما الأبنية التراثية التي تمثل تاريخ المدينة صمد بعضها مكتفياً بالترميم، إلا أن بعضها الآخر استسلم لأطنان المتفجرات التي باغتته معلنة النهاية والرحيل.
في وسط الشارع يقع دكان ببناء قديم أعيد ترميمه، تجلس داخله سيّدة تدعى كلوديت مهنا خلف ماكينة خيّاطة، وهي منهمكة في تصليح ثوب لأحد زبائنها استذكرت في حديث لـ"العين الإخبارية" لحظات الرعب التي عاشتها في الرابع من أغسطس/آب.
وقالت: "في تلك اللحظة كنت أجلس خلف الماكينة، شاهدت وهجاً قوياً، وفي ثانية طار الدكان وكل شيء فيه، سقط الزجاج عليّ، أصبت بجروح في رأسي، بدأت أركض حافية القدمين دون أن أعلم إلى أين الاتجاه".
وأضافت: "أبلغ من العمر ستين عاماً، مرّ عليّ الكثير من المآسي، أفظعها انفجار المرفأ، خسرت فيه كل ما أملك، ومع ذلك كما اعتدت في كل مرة أن أخرج من القبر إلى الحياة، عدت من جديد وانطلقت".
وبسؤالها إذا كانت قد حصلت على مساعدة من الدولة لإعادة ترميم دكانها، أجابت: "كلا، بل الجمعيات حلّت مكانها".
أما عن تخطيها ما حدث، فقالت: "ظاهرياً نعم، لكن الجرح الداخلي يصعب شفاؤه، إذ بات لدي خوف من أن أعاود خسارة شقاء السنين".
ومنذ عام 1985، تملك روز بطحيش محلاً لبيع الملابس في شارع الجميزة، ابنة الأشرفية قالت لـ"العين الإخبارية": "قبل سنة ونصف من الانفجار جددت المحل، توجهت إلى باريس كعادتي لشراء بضاعة، وما أن وصلت إلى لبنان حتى اندلعت ثورة 17 أكتوبر/تشرين الأول، أغلقت المحل حينها مدة، توقف البيع بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، لأعود من جديد محاولة إكمال المسيرة".
وأضافت: "قبل الانفجار بربع ساعة اتصل بي شقيقي لزيارته واحتساء القهوة معه، لبيّت الدعوة وفور وصولي إلى منزله حتى حلّت الفاجعة، دُمّر المحل بشكل كامل فلو بقيت فيه لكنت سلّمت الروح".
ولفتت إلى أنها أعادت فتحت باب رزقها قبل شهرين، مشددة على أنه حتى الآن "لم أستطع أن أتجاوز ذلك اليوم الذي فقدت فيه أقارب وأصدقاء وزبائن، هذا الوجع لا يمكن أن يُنسى".
أما ابن الجميزة نبار كورجيكيان الذي يمتلك محلاً لبيع وتصليح الدراجات الهوائية في المكان يعود إلى عام 1932 فقال لـ"العين الإخبارية": "سمعت في البداية دوي ثلاثة انفجارات، أولها جداراً للصوت، تساءلت ماذا يوجد في الجميزة، اقتربت من باب المحل، وإذ بزجاج الأبنية يتحطم، بعدها سمعت صوت انفجار وبعد ثوان انفجار ثالث".
وأضاف: "لا أعلم إن كانت الطائرة التي سمعت هديرها بوضوح هي التي ضربت المرفأ من عدمه، لكن عدم تطرق المسؤولين إلى موضوع الطائرات في الجو لحظة الفاجعة يطرح علامات استفهام".
وعما إذا أصيب بجروح، أجاب: "بعد دوي الانفجار الأول سارعت إلى داخل المحل، ما حال دون أن أصب بجروح، إلا أن قسماً كبيراً من رزقي دُمر".
ووصف كورجيكيان اللحظات التي تلت الانفجار بالقول: "شعرت أن أحداً يقوم بتصوير فيلم، حيث رأيت أشخاصاً يركضون من دون وعي، الغبار والدماء تغطي أجسادهم وجوههم، الحجارة افترشت الطريق والسيارات توقفت في مكانها، أصوات الإسعاف ملأت الأرجاء، مشاهد أراها للمرة الأولى في حياتي".
وأضاف: "إذا المسؤول لم يبال بموضوع السلامة العامة التي هي أولوية، يعني علينا توقع المزيد من الحوادث والكوارث".
ورغم الضربة الكبيرة، يثبت شارع الجميزة كما بيروت أنه لن يستسلم للمجرمين، وسيبقى يواجه "الأعاصير" كما فعل على مدى عقود.
aXA6IDMuMTQyLjIxMi4xMTkg جزيرة ام اند امز