يوسف إدريس.. في ذكرى ميلاد كاتب لا يموت
كتابات يوسف إدريس تعد بانوراما واسعة لفئات المجتمع المصري، وثق بها ملامح المجتمع وتغيراته، كما تعد علاقته بالقرية والمدينة استثنائية.
أحدث الأديب المصري الكبير يوسف إدريس، الذي حلت ذكرى ميلاده الأحد، نقلة فارقة في فن القصة القصيرة خلال مسيرته، ليس في مصر فقط، بل امتد تأثيره الواسع على مستوى العالم العربي كله.
ورغم ظهور يوسف إدريس بعد 30 عاماً تقريباً من نشأة القصة القصيرة على يد محمود تيمور، لكن تأثيره كان طاغياً، إذ يعود إليه الفضل فى تأسيس بنية القصة القصيرة، وكأن كل ما كُتب قبله لا يتعدى مجرد تمهيد لطريق هذا الفن.
وتعتبر مجموعته القصصية "أرخص ليالٍ" التي صدرت عام 1954 أول أعماله، وقدمها عميد الأدب العربي طه حسين، وانشغلت أغلب قصص المجموعة بالأوضاع التي انتشرت في مصر خلال الفترة التي عاصرها، قبل ثورة 23 يوليو/تموز 1952.
وتجلت في هذه المجموعة عبقرية فريدة من نوع خاص جداً، لأن يوسف إدريس نجح في تقديم عدد كبير من الشخصيات التي امتازت من الخارج بالبساطة، ولكنها من الداخل كانت عميقة للغاية، إذ لعب على البعد النفسي لشخصياته وسبر أغوارها بعمق.
كتب يوسف إدريس قصصاً عظيمة، وكانت مجموعاته القصصية في مجملها تشكل بانوراما واسعة جداً لفئات المجتمع المصري؛ حيث التقط نماذج، في أغلبها مطحونة، وتحمل قدراً كبيراً من المعاناة، ليوثق بها ملامح هذا المجتمع وتغيراته، وتعتبر علاقة يوسف إدريس بالقرية والمدينة استثنائية، إذ إنه نشأ فى الريف وكون صورة حقيقية عنه، كما أن انتقاله للمدينة منحه علاقة قوية بها أيضاً، فتحقق عنده ما لم يتحقق عند كتاب كثيرين غيره.
وكما كان يوسف إدريس كاتباً نجماً، لديه حضور سياسي واجتماعي وصحفي، فضلاً عن الأدبي طبعاً، فقد كان عالماً خبيراً بالنفس البشرية، ولذلك جاءت قصصه كلها إنسانية، وهو ما يجعل تأثيره عالمياً لا محلياً أو عربياً فقط.
ويبقى أثر يوسف إدريس قوياً ومستمراً رغم مرور 28 عاماً على رحيله، إذ تمت استعادته مؤخراً في رواية "الزوجة المكسيكية" للروائي المصري إيمان يحيى، وهي الرواية التي وصلت للقائمة القصيرة للبوكر العربية هذا العام، إذ سلط إيمان يحيى الضوء في هذه الرواية الضوء على أدب يوسف إدريس، مستعيداً، على نحو لافت، الوقائع الحقيقية لروايته "البيضا" ليوضح لنا أسرار بطلتها الحقيقية والأحداث التي انخرطت فيها هذه البطلة.
تزوج يوسف إدريس فى بدايات حياته بعد تخرجه في كلية الطب من فتاة مكسيكية هي روث دييجو ريفييرا ووالدها كان فناناً دولياً اشتهر في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، وتزوجت به لفترة قصيرة حتى عادت للمكسيك، لتصبح معمارية مشهورة وشخصية عامة مكسيكية.
ضحايا يوسف إدريس
قبل عامين من الآن، خصص الشاعر والناقد شعبان يوسف كتاباً عن يوسف إدريس، اسمه "ضحايا يوسف إدريس وعصره"، حيث يرى المؤلف أن يوسف إدريس شغل الحياة الثقافية والسياسية ما يزيد على الأربعة عقود من الزمان، وذلك منذ انفجرت موهبته العاصفة عام 1950، ونشر قصته الأولى "أنشودة الغرباء"، توالت قصصه فيما بعد، ونشر مجموعته "أرخص ليالي" عام 1954، ليصبح في مقدمة صفوف كتّاب القصة القصيرة بشكل مطلق في مصر والعالم العربي.
ويرى الناقد شعبان يوسف أن إدريس أحدث استقطاباً عاماً للدرجة التي أضرت كتّاب الجيل الذي سبقه، وبالتالي كتّاب جيله الذين أصبحوا شبه مستبعدين عن المشهد الأدبي تماماً.
ويرى يوسف أن العلاقات القوية بين إدريس والسلطة ساعدته على تعميق وتعميم وجوده الأدبي في الثقافة المصرية والعربية والعالمية، وكرست تلك الظاهرة للكاتب الأوحد، والكاتب الظاهرة، والكاتب الأسطورة، ودون ذلك لا شيء ولا ظاهرة دونه، ليصبح يوسف إدريس ظاهرة فريدة من نوعها في التاريخ الأدبي والثقافي المصري والعربي.
ترك إدريس إنتاجاً أدبياً غزيراً، وله العديد من المؤلفات في القصص والروايات والمسرحيات، من القصص "البطل"، "أليس كذلك؟"، "آخر الدنيا"، "قاع المدينة"، "النداهة"، ومن الروايات "الحرام"، "السيدة فيينا"، "نيويورك 80"، "أكان لا بد يا لي لي أن تضيئي النور" ومن المسرحيات "اللحظة الحرجة"، "الجنس الثالث"، "المهزلة الأرضية"، "البهلوان".