الروائي الجزائري سعيد خطيبي لـ"العين الإخبارية": أفطرت مع الرهبان
الكاتب والمترجم والإعلامي الجزائري سعيد خطيبي يقيم في سلوفينيا، وله مؤلفات عدة منها "كتاب الخطايا" و"أربعون عاما في انتظار إيزابيل".
كثيراً ما يرتبط شهر رمضان بفضاءات روحية يقصدها الناس، غير أن مقاصد الأدباء تبدو مختلفة، لأن المكان معهم يتحول إلى فضاء إبداعي وملجأ روحي ومساحة للتجلي.
ويقول الروائي الجزائري سعيد خطيبي، المقيم بسلوفينيا، لـ"العين الإخبارية": "كل ذكرياتي مع شهر رمضان ترتبط بالجزائر فعند الخروج من العاصمة، يخفّ إيقاع الحياة، الزّحمة تتلاشى والنّاس يتسكعون أو يقضون أشغالهم بتؤدة. قد يبدو المشهد مريحاً للبعض لكنه ليس كذلك دائماً. وقبل سنوات، أوفدتني جريدة عملت فيها إلى مدينة داخلية، بغرض كتابة استطلاع ثقافي، على أن أرسله لقسم التّحرير في اليوم ذاته، كي يصدر في العدد التّالي. وصلت صباحاً إلى وجهتي، بنيّة أن أتمّ شغلي في أقرب وقت، وأعود إلى العاصمة قبل الإفطار".
ويضيف خطيبي: "قضيت ساعات في انتظار مسؤول أسمع منه تصريحات، وحينها أدركت، مرّة أخرى، أن "الانتظار" ثقافة جزائرية، وليس استثناءً، الوقت لا قيمة له، لا سيما في رمضان، فكلّ واحد يلوّح، من بعيد، بحجّة الصّوم في أن يتأخّر عن العمل أو يتغيّب أو يُغادر المكتب قبل الأوان. كنت أقوم بالاستطلاع، أسجّل محاورات وأصوّر أمكنة، وعيني لا تغفل عن السّاعة في معصمي، وقلقي يتضاعف. أتممت كلّ شيء وأرسلته إلى الجريدة، تحت إلحاح مكالمات رئيس التّحرير، الذي بدا لي أنّه يودّ أن ينهي الجريدة ويرسلها إلى المطبعة، وينسحب إلى بيته، في انتظار الإفطار".
وأوضح: "حين ضغطت على الإرسال من إيميلي، شعرت أنني تخلّصت من ثقل ربض على ظهري، وحين تجاوز الوقت العصر بقليل، تحوّل المشهد إلى ما يُشبه مدينة أشباح، وخيّل لي أنني سوف أقضي أوّل إفطار لي دون أن أبتلع شيئاً، وقد يمتد صيّامي أكثر من غيري".
وأكمل خطيبي حديثه قائلا: "مع اقتراب أذان المغرب، صار الوضع – فعلاً – مقلقاً، لا أثر لبشر، ولا جلبة تُسمع، كما لو أنّها مدينة أموات. ولم يكن بوسعي إلا الانتظار إلى أن يفرغوا من إفطارهم كي تعود السّيارات إلى نشاطها. وظللت في مكاني، لعلّ مفاجأة تحصل أو سائقا جريئاً يصل، ويقلّني معه إلى العاصمة، لكنني رأيت قساً يعبر على بعد أمتار قليلة منّي، يحمل قفة في يده. سألته، متشبثاً بأمل أخير، أين يمكن أن يفطر "عابر سبيل" وفاجأني بأن اقترح عليّ الإفطار مع "الجماعة" في الدّير".
وتابع: "حين ذهبت معه إلى الدير وجدت شباباً في سنّي وكهولاً يتحلقون حول موائد وأخوات يخدمهن، وشاشة التّلفزيون تبثّ كوميديا محليّة، وجواً لا يختلف عما نعرفه في البيت".
واختتم خطيبي: "هذا ما يحصل في الجزائر العميقة، في غفلة عن الكاميرات وعن القنوات، رهبان مسيحيّون يفطرون مسلمين في رمضان، كان ذلك واحداً من الدّروس التي حفرت عميقاً في ذهني، وبعدما ندمت، في البداية، على مغامرتي الرّمضانية في ذلك اليوم، انتهى بي الأمر أن عشت تجربة قد لا تتكرّر".
يذكر أن الكاتب والمترجم والإعلامي الجزائري سعيد خطيبي مولود في بوسعادة بولاية المسيلة بالجزائر، وأكمل دراسته العليا في السوسيولوجيا في جامعة السوربون عام 2011، يقيم في سلوفينيا، وله مؤلفات عدة منها "كتاب الخطايا" (رواية)، "أربعون عاما في انتظار إيزابيل" (رواية)، "بعيداً عن نجمة" (ترجمات شعرية لكاتب ياسين)، 2009، "مدار الغياب" ترجمة لقصص جزائرية باللغة الفرنسية، إضافة إلى كتاب في أدب الرحلة تحت عنوان "جنائن الشرق الملتهبة".
aXA6IDE4LjIyMS45My4xNjcg جزيرة ام اند امز