تجربة ملهمة للقوات المسلحة المصرية للدفاع عن مصالحهم انطلاقاً من العقيدة الدفاعية التي كررها الرئيس السيسي في خطابه الأخير
لا شك أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي فاجأ العديد من السياسيين والمحللين في العالم بخطابه الذي ألقاه يوم السبت الماضي في قاعدة عسكرية تابعة للقوات الجوية والقريبة من الحدود المصرية-الليبية؛ وذلك عندما حدد للمرتزقة والميليشيات الإرهابية الموجودة في ليبيا والمدعومة من تركيا: "الخطوط الحمراء" للعمق الاستراتيجي المصري في داخل الحدود الليبية.
وفي أغلب الظن، أنه لم يخطر على بال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -المحرض الأول للفوضى في ليبيا- وغيره من الدول التي على خلاف مع مصر أن يكون السيسي بذلك الوضوح وتلك اللغة الحادة، مع أنه كان يبدو عليه الهدوء. فقد توهم أردوغان وغيره أن مرونة الدبلوماسية المصرية وتفضيلها الواسطات الدولية، بأنها تعبير عن ضعف مصر وقواتها المسلحة وبالتالي فإنها فرصة لخلخة استقرارها الإقليمي والداخلي.
صحيح أن المصريين منشغلون حالياً بترتيب الشأن الداخلي بهدف تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية التي غالباً ما تحتاج من السياسيين الابتعاد قدر الإمكان عن الدخول في صراعات خارجية، لكن الشيء الذي لم يكن يدركه أردوغان وغيره، حساسية المصريين المفرطة تجاه ما يهدد بلادهم، هذا الكلام مثلما ينطبق على القيادة المصرية فإنه لا يختلف عن الموقف الشعبي، لذا نجد استعداد القوات المصرية لتنفيذ التوجيهات التي قد تصدر من قيادتهم ورأينا التفافا كاملا من الشعب مع خطاب الرئيس.
في الاستراتيجيات العسكرية لا يكفي أن تكون الجيوش لديها أسلحة وعتاد فقط كما يتباهى أردوغان، إنما هناك عوامل أخرى تلعب دوراً في حسم المعارك.
في الذاكرة التاريخية، فإن حرب 1973 فاجأت فيها مصر الرأي العام العالمي وكذلك الدول الكبرى التي كانت تدعم إسرائيل وقتها التي لم تكن على قناعة بأن المصريين يمكن أن يشنوا حرباً عليها نظراً للوضع السياسي الداخلي لمصر، فهذه التجربة ليست بعيدة اليوم عن الاعتقادات التركية وغيرها التي ترى تراجع الموقف المصري الإقليمي فرصة لتثبت وضعا سياسيا معين في جوارها الجغرافي.
فمن غير المستبعد تكون تلك الحرب ونتائجها القومية والوطنية، تجربة ملهمة للقوات المسلحة المصرية للدفاع عن مصالحهم انطلاقاً من العقيدة الدفاعية التي كررها الرئيس السيسي في خطابه الأخير بهدف ترسيخها في الأذهان، بأن "دخولنا في ليبيا لن يكون إلا في حدود الدفاع عن أمننا" وهذا حق لكل دول العالم خاصة في حالة مثل الحالة الليبية التي تنشر فيها تركيا فوضى بين الشعب الليبي.
في الاستراتيجيات العسكرية لا يكفي أن تكون الجيوش لديها أسلحة وعتاد فقط كما يتباهى أردوغان، إنما هناك عوامل أخرى تلعب دوراً في حسم المعارك والصراعات من تلك العوامل: الإيمان بالقضية التي تدافع عنها، فالمصريون في هذا الموقف يدافعون عن وطنهم وعن جوارهم الجغرافي الذي يتشابك معه في الأمن القومي العربي.
وهناك أيضاً، ساحة المعركة التي تجيد القتال فيها القوات المصرية هذا مكانهم وهذه ساحتهم، أضف إلى كل ذلك الخطط الاستراتيجية التي سيضعها الاستراتيجيون المصريون الذين أثبتوا قدراتهم في حرب أكتوبر 1973 من خلال اجتياز خط برليف.
أبسط وصف للغة خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسي بأنه خطاب متوازن. فبقدر ما ذكّر المجتمع الدولي بالمبادرات السلمية التي طرحت لحل الأزمة الليبية منها "إعلان القاهرة" قبل أسبوعين، فهو لم يتجاهل مسألة اللجوء إلى الحرب في حالة اضطرت مصر إليها، وهذا التوازن مثل إيجابية في تحقيق شيئين اثنين هما أولا: عدم قبول فكرة استضعاف مصر سواءً من تركيا أو غيرها من الدول وأن التركيز على النمو الداخلي لا يعني تجاهل الأمن الوطني.
والشيء الثاني: أنه حمل الدول الكبرى مسؤوليتها في اتباع سياسة "غض الطرف" عما يفعله أردوغان كنتيجة لترتيبات ثنائية بين تركيا وروسيا من جهة، وتركيا والولايات المتحدة من جهة أخرى، والتي أثبتت أنها تضر بالاستقرار والأمن العالميين.
وفق ما سبق لن يكون بمقدور أحد أن يلوم مصر في حالة قررت الدخول عسكرياً في منطقتي سرت والجفرة الليبيتين أو حتى أن يفكر في معاقبتها لأنها فعلت كل شيء من أجل الحل السلمي وأن قرار الحسم العسكري، إذا اتخذته، فستكون مجبرة عليه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة