صناعة الرياح البحرية.. "توربين" الاستدامة المعطل عالمياً
في الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى الطاقة النظيفة أكثر من أي وقت مضى؛ تواجه مشروعات طاقة الرياح البحرية أزمة اقتصادية طاحنة، قضت على خطط الإنفاق المخطط لها.
توليد الطاقة من الرياح
يُعُّد توليد الطاقة الكهربائية من الرياح أمرًا أساسيًا لخطط الحكومات لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ويشهد قطاع طاقة الرياح البحرية تحولاً في الأسواق العالمية.
ففي حين أن أكثر من 99% من طاقة الرياح البحرية المركبة موجودة حاليًا في أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، فقد تقدمت الصين لتصبح أكبر سوق في العالم لمنشآت طاقة الرياح البحرية في عام 2023، تليها المملكة المتحدة تُعد -ثاني أكبر سوق في العالم- في محركات الرياح البحرية، والتي تسهم بحوالي 13% من طاقة البلاد.
وفي الدنمارك، فقد تطورت الصناعة بسرعة منذ بناء أول مزرعة رياح بحرية في العالم قبالة سواحل الدنمارك في عام 1991، مع 11 توربينًا قادرة على تزويد 2200 منزل فقط بالطاقة. ويمكن لمزرعة الرياح البحرية اليوم أن تزود ملايين المنازل بالطاقة، في حين ساعدت الزيادات في أحجام التوربينات وأسعار الفائدة المنخفضة للغاية في خفض التكاليف الإجمالية للبناء والتشغيل بنسبة 60% بين عامي 2010 و2021، بحسب ما ذكرته صحيفة "فايننشال تايمز".
ورغم ذلك فعلى الصعيد العالمي، لا تزال الصناعة صغيرة الحجم، حيث تمثل حوالي 0.8% من إنتاج الكهرباء في عام 2022. وسيتعين أن تنمو تلك النسبة في الوقت الذي يحاول فيه العالم الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري عن طريق استبدال محطات الطاقة التي تعمل بالفحم والنفط والغاز ببدائل متجددة.
وفي هذا الصدّد، تعتقد وكالة الطاقة الدولية "إيرينا" أن طاقة الرياح البحرية ستحتاج إلى الارتفاع إلى أكثر من 2000 غيغاوات بحلول عام 2050، مقارنة بنحو 70 غيغاوات على مستوى العالم اليوم. ويتوقع معظم العاملين في الصناعة أن تستمر القدرة الإنتاجية في الارتفاع وأن الضغوط المالية سوف تتراجع في نهاية المطاف؛ لكن المحللين يشككون بشكل متزايد فيما إذا كانت الأهداف التي تطالب بها الحكومات فيما يتعلق بهذه التكنولوجيا سيتم تحقيقها في الوقت المحدد.
ارتفاع تكاليف التمويل
واجهت مشروعات طاقة الرياح البحرية في جميع أنحاء العالم ضربة ثلاثية تتمثل في ارتفاع معدل التضخم في سلسلة التوريد، وارتفاع أسعار الفائدة وإحجام الحكومات عن تعديل معايير المزادات للاستجابة لظروف السوق الجديدة هذه؛ حيث إنها تعطي الأولوية لإبقاء التكاليف على المستهلكين منخفضة'. بحسب ما ذكره "سايمون فيرلي"، رئيس قسم الطاقة في المملكة المتحدة في شركة KPMG. ومن ثمَّ، تراجع بعض المطورين عن مبيعات الطاقة أو صفقات الدعم التي تغطي مشروعات معينة، خاصة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
تعثر مشروعات طاقة الرياح البحرية في الولايات المتحدة
في أعلى وأسفل الساحل الشمالي الشرقي للولايات المتحدة، تواجه طاقة الرياح البحرية بعض الصعاب؛ فقد أدت موجة إلغاء المشروعات، الناجمة عن فترات التضخم المرتفع، وارتفاع أسعار الفائدة، واختناق سلاسل التوريد، والمشكلات المالية، إلى تراجع الآمال في أن تلعب الصناعة دورًا رئيسًا في الوصول إلى أهداف إزالة الكربون والوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية.
والآن يتصارع صناع السياسات على مستوى الولاية والحكومة الفيدرالية مع كيفية الرد. إذا أرادوا تحقيق جزء صغير من هدف إدارة الرئيس جو بايدن المتمثل في بناء 30 غيغاوات من طاقة الرياح البحرية بحلول عام 2030 -وهو هدف يراه معظم المحللين إنه بعيد المنال- فسوف يحتاجون إلى زيادة دعمهم المالي بشكل كبير للتغلب على زيادات التكاليف وتعزيز الطاقة المتجددة.
فإذا اختار صناع السياسات والمنظمون في الدولة تقديم شروط أكثر ملاءمة لمطوري طاقة الرياح البحرية، فإنهم يخاطرون بدفع فواتير الخدمات إلى مستويات أعلى ويضطرون إلى مواجهة العواقب الاقتصادية والسياسية المترتبة على القيام بذلك؛ لكن محللي الطاقة يحذرون من أن تكلفة الفشل في التحرك قد تكون أعلى بكثير من تكاليف التدخل.
هذا، وقد أعلنت شركة الطاقة الدنماركية أورستد -أكبر مطور لطاقة الرياح البحرية في العالم- أنها ستلغي مشروعيها Ocean Wind 1 وOcean Wind 2 بقدرة 2.25 غيغاوات قبالة ساحل نيوجيرسي الأمريكية، بعد أشهر فقط من حصولها على الموافقة النهائية لـ Ocean Wind 1. فضلًا عن إلغاء مشروعات بقدرة تزيد عن 3 غيغاوات في ماساتشوستس ورود آيلاند وكونيتيكت، بعد أن رفض المنظمون في الولاية المشاركة في مفاوضات لزيادة سعر الطاقة التي كان من المقرر أن توفرها تلك المشروعات.
والآن تسعى هذه الولايات جاهدة لإعادة هيكلة المشتريات للوفاء بالتفويضات التي تشمل 5.6 غيغاوات من طاقة الرياح البحرية بحلول عام 2027 في ماساتشوستس و2000 ميغاوات بحلول عام 2030 في ولاية كونيتيكت.
أزمة طويلة الأمد تسيطر على مشروعات الرياح البحرية
من المتوقع أن تمتد الصراعات المالية إلى الشركات التي تصنع توربينات الرياح البحرية؛ حيث سعت شركة Siemens Energy، وهي وحدة تابعة لشركة Siemens الصناعية العملاقة وواحدة من أكبر الشركات المصنعة لتوربينات الرياح في العالم، إلى الحصول على خطة إنقاذ من الحكومة الألمانية وسط توقعات بخسارة قدرها 4.5 مليار يورو (4.79 مليار دولار) هذا العام.
هذا، وأعلنت شركة جنرال إلكتريك، الشركة المصنعة لتوربينات الرياح الضخمة Haliade-X -القادرة على توليد ما بين 12 إلى 14 ميغاوات من الطاقة للقطعة الواحدة والتي من المقرر استخدامها في العديد من مشروعات الرياح البحرية في شمال شرق الولايات المتحدة- الشهر الماضي أن قسم الرياح البحرية التابع لها يتوقع خسارة مليار دولار هذا العام.
aXA6IDMuMTIuNzMuMTQ5IA== جزيرة ام اند امز