التضخم يصدم المناخ.. والضحية طاقة الرياح
تواجه مشروعات طاقة الرياح البحرية أزمة اقتصادية أدت إلى محو مليارات الدولارات من الإنفاق المخطط لها هذا الأسبوع.
يأتي هذا في الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى طاقة نظيفة أكثر من أي وقت مضى.
ما هو دور طاقة الرياح في تحولات الطاقة النظيفة؟
تُعُّد طاقة الرياح البحرية أمر بالغ الأهمية لأهداف إزالة الكربون؛ حيث إن الحجم الهائل للتوربينات في البحر يجعلها واحدة من أكثر الطرق فعالية لتوليد الكهرباء المتجددة.
ففي الولايات المتحدة، يمكن أن ينتج كل ميغاواط من السعة المركبة لمزارع الرياح البحرية ما يصل إلى 3 أضعاف ما يمكن أن تولده حديقة الطاقة الشمسية، وفي بريطانيا الملبدة بالغيوم، تنتج مزارع الرياح 5 أضعاف الكهرباء من مزرعة شمسية مماثلة الحجم. بحسب ما ذكرته وكالة بلومبرج
من هذا المنطلق، سعت الحكومات في جميع أنحاء العالم نحو وضع أهداف طموحة لتوسيع نطاق نشر مشروعات طاقة الرياح البحرية.
فعلي سبيل المثال، يهدف الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إلى إنتاج 30 غيغاواط من مزارع الرياح البحرية في الولايات المتحدة بحلول نهاية العقد.
وفي أوروبا، تعهدت دول مثل المملكة المتحدة وألمانيا وهولندا في وقت سابق من هذا العام بالوصول إلى 120 غيغاواط من طاقة الرياح بحلول عام 2030، أي أكثر من 4 أضعاف القدرة الحالية.
في حين أن الحكومات تريد التوسع في مشروعات الطاقة الخضراء لخفض تكاليف الطاقة ومن ثمَّ انبعاثات الكربون، لكن كيف يمكنها تحقيق هذا النوع من التوسع، في ظل ارتفاع معدلات التضخم وما تلاه من ارتفاع في التكاليف، ومن ثمَّ تصاعد أزمات مشروعات طاقة الرياح.
أسباب أزمة مشروعات الرياح
تؤدي التكاليف الباهظة إلى إخراج مشروعات الرياح البحرية عن مسارها حتى مع ارتفاع الطلب على الطاقة المتجددة.
وعلى صعيد آخر، تؤدي الحرارة الشديدة الناتجة عن تغير المناخ إلى إجهاد الشبكات الكهربائية في جميع أنحاء العالم، مما يؤكد الحاجة إلى المزيد من توليد الطاقة - ويضيف الإلحاح إلى الدعوات للانتقال بشكل أسرع بعيدًا عن الطاقة غير المتجددة.
في أوروبا، أعطى التحرك لتقليل الاعتماد على النفط والغاز الروسي زخمًا لمشروعات الطاقة النظيفة.
تجدُر الإشارة إلى أن المشروعات التي تم التخلص منها، هي أحدث علامات الإجهاد لمزارع الرياح البحرية التي تستخدم توربينات أكبر من ناطحات السحاب لتجميع الطاقة من هواء البحر، حيث تكون الرياح أقوى وأكثر ثباتًا.
ومن ثمَّ، أجبرت تكاليف المواد المرتفعة، خاصة بالنسبة للصلب، صناع التوربينات على رفع الأسعار. كما قفزت تكاليف الخدمات الرئيسة الأخرى، مثل السفن المتخصصة لتركيب التوربينات، بشكل حاد أيضًا. كما أن ارتفاع أسعار الفائدة يعني ارتفاع تكلفة الاقتراض.
- توربينات الرياح الخضراء.. البديل الأكثر استدامة
- ضربة "ثلاثية" لصناعة طاقة الرياح.. خسائر مليارية تعيق التحول الأخضر
توقف الاستثمار في مشروعات الرياح
تعثر مطورو مشروعات مزرعة الرياح البحرية وسط ارتفاع معدلات التضخم، فعلى سبيل المثال، جمدت شركة فاتنفول Vattenfall AB السويدية المملوكة للدولة خططًا لإنشاء مزرعة رياح قبالة الساحل البريطاني، بسبب التضخم.
كما وافقت وحدة تابعة لشركة Iberdrola SA الإسبانية على إلغاء مشروعات طاقة الرياح، وأيضًا، توقف عقد لبيع الطاقة من مزرعة رياح قبالة سواحل ماساتشوستس لارتفاع التكاليف، ونتيجة لذلك، خسر المطور الدنماركي Orsted محاولة لتوفير طاقة الرياح البحرية لولاية رود آيلاند.
تجدُر الإشارة إلى أن المشروعات الثلاثة المتأثرة بارتفاع التكاليف، كانت ستوفر 3.5 غيغاواط من الطاقة - أكثر من 11% من إجمالي أسطول الرياح البحرية المنتشر حاليًا في مياه الولايات المتحدة وأوروبا. ويمكن أن تتوسع الأرقام قريبًا لتصل إلى 9.7 غيغاواط على الأقل.
ومن جانبه، أشار "مادس نيبر"، الرئيس التنفيذي للمطور الدنماركي Orsted ، إلى أن تكاليف رأس المال وأسعار التوربينات والكابلات والمعدات الأخرى قد "ارتفعت بشكل حاد". وهذا يعني أن سعر الطاقة المتجددة يجب أن يرتفع مؤقتًا بعد سنوات من الانخفاض الحاد.
وفي حين أن بعض المشروعات يمكن أن تستمر في المستقبل، لكنها ستحتاج إلى أن تكون قادرة على تأمين أسعار طاقة أعلى لجعل الاستثمارات قابلة للحياة. ومن ثمَّ، فإن أي تأخير يعني المزيد من الاعتماد على مولدات الوقود الأحفوري التي تُسهم في تغير المناخ، مما يجعل أهداف خفض الانبعاثات بعيدة المنال.
هل الاستثمار توقف بشكل كامل؟
لا تزال بعض المشروعات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مستمرة، على الرغم من ارتفاع التكاليف، وفي وقت سابق من هذا الشهر، قدمت شركتا النفط العملاقة BP Plc وTotalEnergies SE عرضًا بنحو 12,6 مليار يورو (14 مليار دولار)؛ لتطوير مزارع الرياح البحرية في بحر الشمال بألمانيا. لكن المشروعات الملغاة والمتأخرة تظهر أنه إذا التزمت الحكومات بالرياح البحرية، فسيتعين عليها دفع المزيد للحصول عليها.
هناك العديد من المشروعات الأمريكية المُعرضة للخطر؛ لأن المطور يريد إعادة التفاوض أو الخروج من العقود لبيع الطاقة بالأسعار التي يقول إنها الآن منخفضة للغاية لجعل الاستثمارات تستحق العناء.
الخطوات المُتبعة لحل الأزمة
سيتطلب الوصول إلى مستويات توليد كهرباء الرياح السنوية المتوقعة في سيناريو صافي الصفر دعمًا متزايدًا لكل من المزارع البرية والبحرية، ويجب أن تتركز الجهود على تسهيل التصاريح واكتساب الدعم العام ودعم تحديد المواقع المناسبة وخفض التكاليف وتقليل الجداول الزمنية لتطوير المشروعات.
ومن جانبها، أكدت "ميجان سميث"، المديرة المساعدة للرياح البحرية في كاربون تراست، أن إعلان فاتنفول بوقف تطوير مزرعة الرياح في نورفولك بوريس، يُشير إلى بداية ما يمكن أن يصبح أزمة حقيقية. وبالتالي يجب على صانعي السياسات أن يحيطوا علمًا وأن يتخذوا إجراءات سريعة لضمان عدم اتباع المزيد من المطورين ومزارع الرياح نفس المسار.