قاعدة عسكرية تحت جليد غرينلاند.. اكتشاف لـ«ناسا» ينعش طموحات ضم الجزيرة

أعاد اكتشاف قاعدة عسكرية أمريكية سرية تحت جليد غرينلاند إلى الواجهة مساعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لضم الجزيرة.
وكانت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" قد نجحت في اكتشاف قاعدة عسكرية أمريكية سرية تعود إلى حقبة الحرب الباردة، مدفونة تحت جليد غرينلاند، ما دفع الرئيس الأمريكي إلى تجديد دعوته لضم الجزيرة الإستراتيجية إلى الأراضي الأمريكية، في خطوة أثارت جدلا واسعا.
وفي أبريل/ نيسان 2024، رصدت رادارات الطائرة التابعة لـ"ناسا" بقيادة العالِم تشاد غرين، منشأة مهجورة تُعرف باسم "كامب سنتشري" كانت قد أنشئت في عام 1959 واختفت تحت الجليد منذ إغلاقها عام 1967. القاعدة تضم 21 نفقا على عمق عشرات الأقدام من سطح الجليد، وتمتد لمسافة تقترب من 3 كيلومترات.

واستخدم الجيش الأمريكي القاعدة كواجهة لمشروع سري يُعرف بـ"آيسوورم"، و كان يهدف إلى نشر صواريخ نووية متوسطة المدى قادرة على ضرب أهداف في الاتحاد السوفييتي آنذاك، لكن الطبيعة غير المستقرة للجليد جعلت المشروع محفوفا بالمخاطر، وتم التخلي عنه لاحقا.
وإعادة اكتشاف هذه القاعدة النووية المدفونة دفع الرئيس ترامب، إلى تصعيد دعواته لضم غرينلاند إلى الولايات المتحدة، معتبرا أن السيطرة على الجزيرة باتت "ضرورية للأمن القومي الأمريكي".
وقال ترامب في مقابلة تلفزيونية بُثّت في الرابع من مايو/ أيار: "نحن بحاجة إلى غرينلاند بشدة. عدد سكانها قليل وسنهتم بهم، لكن موقعها ومقدراتها ضروريان لأمننا الدولي". ولمح إلى أنه لا يستبعد الخيار العسكري إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع الدنمارك، قائلا: "لا أستبعد شيئاً".

أهمية استراتيجية وجيولوجية
وتكمن الأهمية الاستراتيجية لغرينلاند، التي تتبع رسميا لمملكة الدنمارك، في موقعها الجغرافي القريب من القطب الشمالي، واحتضانها لقاعدة "بيتوفيك" الفضائية الأمريكية، التي تلعب دورا محوريا في الدفاع الصاروخي والمراقبة الفضائية والعمليات العسكرية في القطب الشمالي.
كما أن الجزيرة تحتوي على احتياطات ضخمة من المعادن النادرة والنفط والغاز، ما يجعلها هدفا اقتصاديا مغريا، خاصة في ظل التنافس المتصاعد بين القوى العالمية على النفوذ في القطب الشمالي. وقد سبق للرئيس ترامب أن أبدى اهتماما بمعادن غرينلاند في صفقات مشابهة مع دول أخرى، بينها أوكرانيا.
تكنولوجيا "ناسا" تكشف المدينة المجمدة
وتمت عملية الكشف عن "كامب سنتشري" باستخدام رادارات متطورة مثبتة على طائرة "ناسا"، تعتمد تقنية "الرادار ذي الفتحة الاصطناعية" ، وتتيح تصوير البنية الداخلية للجليد والصخور التحتية بشكل مشابه لتقنية الموجات فوق الصوتية الطبية.
وأشار العالم تشاد غرين إلى أن البيانات الجديدة أظهرت "بنية ثلاثية الأبعاد للقاعدة لم تكن مرئية سابقا"، مضيفا أن التصميم يتطابق مع المخططات الأصلية للمنشأة التي كانت تضم مفاعلا نوويا محمولا وُجه لتزويد القاعدة بالطاقة والحرارة.
ورغم أن المفاعل أُزيل عند إغلاق القاعدة، فإن النفايات المشعة وغيرها من البنية التحتية تُركت مدفونة في الجليد، وهو ما يثير مخاوف بيئية جديدة.
ولطالما كانت غرينلاند محل اهتمام إستراتيجي للولايات المتحدة، حيث حاولت واشنطن شراءها من الدنمارك عام 1946 مقابل 100 مليون دولار، وهو عرض رُفض حينها. إلا أن معاهدة موقعة عام 1951 سمحت للولايات المتحدة ببناء قواعد عسكرية في الجزيرة، ولا تزال سارية حتى اليوم.
يذكر أن الولايات المتحدة كانت قد نشرت نحو 10 آلاف جندي في غرينلاند خلال الحرب الباردة، مقارنة بنحو 150 جنديا فقط في الوقت الحالي.
وبينما لمح ترامب إلى أن خططه لا تتضمن حاليا استخدام غرينلاند كمنصة نووية، فإن إعادة اكتشاف "كامب سنتشري" تذكر العالم بمستوى الاهتمام الأمريكي القديم بهذه الجزيرة المجمدة.

الدنمارك تترقب... والعالم يراقب
وحتى الآن، لم تصدر كوبنهاغن موقفا رسميا من تصريحات ترامب الأخيرة، لكن مراقبين يحذرون من تصعيد دبلوماسي محتمل إذا ما واصل الرئيس الأمريكي الضغط باتجاه ضم الجزيرة، سواء عبر الشراء أو بوسائل أخرى.
وفي ظل التنافس العالمي المحموم على الموارد القطبية وطرق الملاحة الجديدة، قد تتحول غرينلاند من جزيرة نائية إلى محور مواجهة جيوسياسية بين القوى الكبرى.