«الخنزير» و«قدم الضفدع» في زمن الشبح والمسيرات.. أي تأثير؟

من سماء أفغانستان إلى صحارى العراق ووديان أوكرانيا، ظلت سو-25 «فروغفوت» الروسية وإيه-10 «وورثوغ» الأمريكية رمزًا للقتال القريب، وطيفًا يصاحب الجنود في خطوط النار الأولى.
فعلى مدى نصف قرن، تجسد في هيكليهما المعدني مفهوم الدعم الجوي الصلب؛ ذلك الذي لا يُقاس بالسرعة أو التقنية، بل بمدى الجرأة على التحليق في قلب الجحيم.
فهل لا يزال هناك مكان لـ«وحوش السماء المنخفضة» في عصر الشبح والمسيرات؟
تقترب الطائرتان الهجوميتان الأشهر في العالم -الأمريكية إيه-10 وورثوغ والروسية سو-25 فروغفوت- من نهاية عمرهما التشغيلي، بعد عقودٍ من الخدمة الميدانية التي جسّدتا فيها مفهوم الدعم الجوي القريب بكل معانيه.
لكن التقدم السريع في أنظمة الدفاع الجوي الحديثة جعل من الطيران المنخفض مهمة شبه انتحارية، فاتحًا الباب أمام نهاية حقبة الطائرات الهجومية التقليدية التي شكّلت لسنواتٍ طويلة العمود الفقري للقوات البرية في المعارك.
ولادة "الخنزير البري" الأمريكي
في سبعينيات القرن الماضي، شرعت القوات الجوية الأمريكية في تصميم طائرة هجومية جديدة قادرة على تدمير دبابات الاتحاد السوفياتي في حال اندلاع مواجهة كبرى في أوروبا، فكانت النتيجة طائرة إيه-10 ثاندربولت 2، أو كما أحب طياروها تسميتها "وورثوغ" أي (الخنزير البري)، وفقا لمجلة ناشيونال إنترست.
وتمحور تصميم إيه-10 حول مدفع داخلي عملاق من نوع جيه إيه يو-8/إيه ذي السبع فوهات، القادر على إطلاق نحو أربعة آلاف طلقة في الدقيقة من قذائف خارقة للدروع، ما جعلها سلاحًا مرعبًا ضد أي تشكيل مدرع.
وزُوّدت الطائرة بدرعٍ من التيتانيوم يحيط بالطيار يُعرف بـ"حوض الاستحمام"، إضافة إلى أنظمة هيدروليكية احتياطية تمنحها قدرة استثنائية على البقاء في الجو حتى بعد إصابات قاتلة.
ورغم بطئها النسبي، كانت المقاتلة إيه-10 دقيقة وقادرة على التحليق لساعات فوق ساحة القتال، تراقب الأهداف وتختار لحظة الضرب بعناية، حتى استحقت لقب "عين الجنود في السماء".
الرد السوفياتي: "فروغفوت" (قدم الضفدع) الحديدية
لم ينتظر السوفيات طويلًا للرد على "الخنزير البري". فبعد أربع سنوات فقط من ظهور مقاتلة إيه-10، خرجت إلى العلن الطائرة الروسية سوخوي سو-25 "قدم الضفدع" لتصبح النسخة السوفيتية من الطائرة الهجومية المتخصصة في الدعم الجوي القريب.
لكن المهندسين الروس اختاروا فلسفة تصميم مغايرة تمامًا. فبدلاً من الاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة، صُممت سو-25 لتكون طائرة حرب قاسية وبسيطة، قادرة على العمل من أي مكان تقريبًا - من مدارج إسفلتية مهترئة إلى طرق ريفية غير ممهدة - وبأقل قدر من الصيانة.
تحمل الطائرة مدفعًا مزدوج السبطانة عيار 30 ملم من طراز جيه إس إتش-30-2، إلى جانب مجموعة واسعة من القنابل والصواريخ غير الموجهة.
وكما في نظيرتها الأمريكية، يحمي درع من التيتانيوم الطيار، بينما وُضع المحركان على جانبي الهيكل بمسافة فاصلة لتقليل خطر تدميرهما بصاروخ واحد.
تتفوق السو-25 على نظيرتها الأمريكية في السرعة وسهولة التصنيع، لكنها تفتقر إلى أجهزة الاستشعار المتقدمة ومدى التحليق الطويل الذي يمنح إيه-10 ميزة البقاء في الأجواء لساعات.
فبينما يمكن لـ "الخنزير البري" التحليق فوق المعركة لمراقبة الهدف قبل الهجوم، تفضّل "قدم الضفدع" أسلوب الضربة الخاطفة ثم الانسحاب قبل أن تلتقطها الرادارات.
سجلّ قتالي مدوٍ للطائرتين
ومنذ دخولها الخدمة في أوائل الثمانينيات، أثبتت السو-25 صلابتها في ميادين القتال السوفياتية.
ففي أفغانستان، واجهت نيران الأفغان وصمدت رغم إصابتها مرارًا بصواريخ محمولة على الكتف، لتتحول إلى رمزٍ للقدرة على البقاء في أقسى الظروف.
ولاحقًا، استخدمتها روسيا في حروب الشيشان وجورجيا، وتشارك اليوم في الحرب الدائرة في أوكرانيا من كلا الجانبين الروسي والأوكراني، وإن باتت أكثر عرضة للصواريخ الحديثة قصيرة المدى، ما قلل كثيرًا من فعاليتها.
أما إيه-10 الأمريكية، فقد لمع نجمها خلال الحرب على الإرهاب، حيث كانت السلاح المفضل للقوات الأمريكية في العراق وأفغانستان، بفضل قدرتها على التحليق المنخفض وتوفير دعمٍ دقيق للقوات البرية.
وبفضل تدريعها الهائل وبنيتها المتينة، لم تُسجّل أي خسائر بسبب نيران أرضية خلال عشرين عامًا من العمليات.
لكن في مواجهة خصمٍ متكافئ مثل روسيا أو الصين، ستكون الطائرة هدفًا سهلًا نظرًا لسرعتها المنخفضة وبصمتها الرادارية الكبيرة، ما يجعلها غير مناسبة للمعارك الحديثة المليئة بالدفاعات المتطورة.
فعالية مشروطة
ويرى الخبراء أن فعالية الطائرتين تظل مشروطة بسيطرة جوية كاملة، أي بعد تحييد جميع التهديدات الجوية المعادية.
واليوم، تستعد كلٌّ من واشنطن وموسكو لطيّ صفحة هاتين الطائرتين التاريخيتين. فالقوات الجوية الأمريكية تخطط لإحالة إيه-10 إلى التقاعد قبل نهاية العقد الحالي، باعتبارها غير صالحة لحروب المستقبل التي تعتمد على الطائرات الشبحية والمسيرات القتالية.
لكن هذا القرار يواجه معارضة شديدة من الطيارين والجنود الذين يرون في "الخنزير البري" سلاحًا لا بديل له في ميدان الدعم الجوي القريب.
وعلى الجانب الآخر، تسير روسيا في الاتجاه ذاته، إذ بدأت باستبدال سو-25 بمقاتلات أكثر تطورًا مثل سو-34 "فولباك" وسو-35 "فلانكر إي"، القادرتين على أداء مهام هجومية ودفاعية بمرونة أكبر وبقدرة أعلى على البقاء في الجو.
ومع خروج "وورثوغ" و"فروغفوت" من الخدمة، تُطوى صفحة من تاريخ الطيران العسكري الحديث.
ومع صعود الطائرات الشبحية والمسيرات الذكية، تختفي آخر المقاتلات التي شاركت الإنسان خطره على ارتفاعٍ منخفض؛ تلك التي كانت جزءًا من المعركة، لا مجرد ظلٍ عابرٍ في السماء.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA== جزيرة ام اند امز